الشاعر جبار الكواز في ضيافة ثقافة الزوراء
الزوراء / خاص
ما يميز الشاعر المبدع جبار عبد الحسين الكواز انه يملك خيالاً ولوداً ، وقدرة فائقة على صياغة الصورة الشعرية الحاملة سر دهشتها ، واستيعابه لقواعد أسرار اللعبة التي تفضي الى هندسة القصيدة بكل ما تحمله من بوح وايجاز واشراق .
وما يميز الشاعر جبار الكواز مهارته في استخدام المنافذ الجمالية التي تشكل لديه حاضنة خصبة لخلق الانارة الداخلية والتي لا تعرف الصناعة والمغالاة ، وانما تنساب الينا من عدة روافد بدءً بالمفردة ، ومروراً بالإيقاع الداخلي الذي يدفعنا الى التنصت الحذر ليضعنا أخيرا أمام بنية النص بحركته الديناميكية الساحرة من خلال الوحدة الموضوعية التي يزخر بها .
بدأ الكواز رحلته مع الحرف قبل تخرجه من جامعة بغداد ، وحصوله على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية عام 1970 واستمر في رحلته حتى يومنا هذا ، ظهرت باكورة أعماله الشعرية ( سيدة الفجر ) عام 1978 ، بعدها ( رجال من طراز خاص ) عام 1982 ، و ( غزل عراقي ) عام 1983 ، و ( ذاكرة الخندق ذاكرة الورد ) عام 1986 ، و ( حمامة الروح ) عام 1988 ، و ( دفاعا عن الظل ) عام 1995 ، و ( أقول أنا وأني أنت ) عام 2015 ، و ( من الضاحك في المرآة ) عام 2016 ، الى غيرها من الأعمال الشعرية والبحوث والدراسات النقدية .
حاز على الميدالية الذهبية في مسابقة الشعر / مهرجان الشعراء العرب الخامس في بغداد عام 1978 ، وترجمت الكثير من قصائده الى اللغة الانكليزية والروسية والتركية والاسبانية ، وقد ذكرت أعماله في موسوعة البابطين للشعر العربي ، ومعجم الأدباء العراقيين ، ومعجم المؤلفين وأدباء الحلة وغيرها .
شارك في المهرجانات الشعرية في الداخل ، وخرج يمثل العراق في المهرجانات العربية في كل من ليبيا وسوريا وقطر .
رئيس اتحاد أدباء بابل لخمس دورات ، وعضو اتحاد الأدباء العرب ، حاليا عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الادباء والكتاب في العراق .
ثقافة الزوراء التقت بالشاعر جبار الكواز ، وخرجت منه بهذا الحوار :
* كتبت قصيدة العمود ، وانتقلت الى قصيدة التفعيلة ، وانتهيت بقصيدة النثر ، فما هو سر هذه التحولات لديك ؟
ترتبط هذه التحولات الفنية عندي بتطور تجربتي الثقافية والفنية وذلك ان الانتقال من شكل الى اخر لا يأتي اعتباطا بل وعي عميق بأهمية اعتماد هذا الشكل او غيره ، ففي شبابي مثلا وانا طالب في الاعدادية كانت النماذج الشعرية المتوافرة بين يدي هي النماذج المتداولة والشائعة يومئذ عيون الشعر العربي القديم كالمعلقات والمختارات الشعرية والأمالي ودواوين الشعراء الاقدمين المحققة والمصنعة من خلال الجمع والنقل اضافة الى تشجيع اساتذتي في الاعدادية والجامعة الذين يميلون وما يزالون الى هذا الشكل التقليدي الفخم الذي يعتمد على جزالة اللفظ ، وقوة السبك ، وفخامة القافية ، وجمال الغرض الشعري الا ان انتقالي الى الجامعة طالبا في قسم اللغة العربية اتاح لي فرص الاطلاع والالتقاء بنماذج جديدة مغايرة فنيا لما كنت اكتبه من نصوص تقليدية بسيطة ، اضافة الى وجود زملاء لي كان همهم الاول التمرد على تقاليد الذائقة الجامعية يومئذ ولأنني مسكون بالمغامرة انتقلت الى محاولة كتابة النص السيابي ، ونشرت بعض نصوصي في الصحف البغدادية منذ ستينات القرن المنصرم ، نصوص تحاول ان تقول شيئا على استحياء ، وكانت محطي الاخيرة قصيدة النثر والنص المفتوح الذي كتبته عن وعي ودراية تقول ان مستقبل الشعر العربي مرهون بهما واقصد قصيدة النثر والنص المفتوح كل هذا حدث بوعي وايمان خالص شكل منطلقا تفسيريا لهذا التنوع الذي خضت غماره بشجاعة ودراية وخبرة ولا يمكن لأي شاعر ان ينجح في هذا الانتقال المتدرج الا اذا كان واعيا لطبيعة الظروف المرتبطة بحركية الشعر العربي واثرها كعوامل منتجة لطبيعة الشكل المتطور عبر الزمان والمكان
* عن ماذا تتحدث قصيدتك اليوم بعد كل الأحداث التي مرت على العراق ؟
تتحدث نصوصي الان بعد كل الاحداث التي مرت على العراق تتحدث عن محنة النسان وهو يواجه مصيره المجهول في ظل تحولات سياسية واجتماعية مبهمة ، الغاطس منها يأكل المعلن ، وهذا لا يعني انني اعتمد المباشرة في الخطاب الشعري بل ان نصوصي دائما ما تبحث في الواقع الثاني ومحاولة بنائه سلبا او ايجابا من خلال تهديم الواقع الاول ، انا اعد
نفسي غواصا في الواقع العراقي من خلال اطلاعي الواسع على احداثه واساطيره ومتغيراته الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والسياسية ، ابحث عن ابطال مهملين او مركزيين ، واحاول من خلالهم صناعة واقع جديد يدين واقعنا الملتبس اعتمادا على ربط المتغيرات الاجتماعية وفق تسلسلها الجبري ومحاولة كسر التسلسل وادماج الزمانين لتشكيل زمن فني يدين ويفضح زماننا العراقي الزائف والاشكالي .
* الكثير يقول بأن الزمن الحالي هو زمن الرواية بامتياز ، وأن الرواية استطاعت ان تضعف الاجناس الأدبية الأخرى ، فماذا تقول ؟
لا ينكر احد هذا القول ، ولكن عليه ايضا ان لا ينسى ان الرواية بوصفها فنا مدنيا استفادت من الشعر بقوة فصار السرد اليومي غائصا بالشعرية ومتكئا على معيارية فنية هي بنت الشعر اساسا ، وهذا القول يحاول التغلب على حساب فن راكز تاريخيا ومتداول في كل الامم التي انتجت روائيين كبار كروسيا وفرنسا وإنكلترا وامريكا بقسميها ، وتشكل الرواية الحديثة اقرارا بأهمية الشعر في الحياة بوصفه ابا لفنون القول والكتابة وهذا لا يعني ان الرواية اضعفت الاجناس الادبية الاخرى بل اكدت مساهمة تلك الجناس في تركيب شكل الرواية الحديثة وتأثيثها بمعطيات تلك الاجناس ولا تجرؤ الرواية وكتابها في محاولة ازاحة مركزية الشعر الا من خلال طبيعة تداولية كل جنس ، ولما كانت الرواية فنا مدينيا فمن التسرع تبني هذا القول في اوطان مثل العراق وبقية الاوطان الاخرى التي ما زالت غير مستقرة وتجاهد للبحث عن كيان لها
* ما هو مستقبل قصيدة النثر في ظل هذا الحراك الثقافي الساخن ؟
قلت سابقا واقوها الان وفي المستقبل ان مستقبل الشعر العربي وليس العراقي لوحده مرهون بقصيدة النثر بما تتيح للمبدع من حرية واسعة وغير مقيدة في التعبير عن تجاربه من خلال اليات الاشتغال المعروفة فيها ، وهذا القول ليس انتقاصا من القصيدة التقليدية العربية ولكنه اقرار واقع محتوم رغم الجهود الطيبة التي يبذلها شعراء قصيدة الشعر باستثمارهم لآليات الاشتغال الحداثوي في قصيدة النثر ، وهذا الارتهان الذي اعلنه دائما ما هو الا اقرار تاريخي فني شهدته القصيدة العربية القديمة بتطور فنون القول التي ابتكرت عبر الاعصر الادبية العربية التي وصلت الى فن( البند) الذي عد الاب الشرعي للنصوص الحديثة ، وهذا لا يعني ايضا ان احكامنا على قصيدة النثر تنطلق من نماذجها السيئة التي كثيرا ما يعتمدها المغرضون للإساءة لقصيدة النثر ، ان هذه النماذج السيئة اساءت كثيرا لمعطياتها الفنية حتى ظن بعض الشعراء ان قصيدة النثر مطية يحسن امتطاءها كل من يعرف القراءة والكتابة وهذه هي الطامة الكبرى .
* هل القصيدة لديك منفتحة على السرد ؟
نعم في كثير من نصوصي الجديدة انفتاح اساسي على السرد في تشكيل جسد النص وهذا ما اشار اليه اكثر من دارس وناقد ان الية الاشتغال الحداثوي في قصيدة النثر هو هذا التداخل بين الاشكال الادبية بما يتيح للمنتج اظهار نصا مشتبكا ومستثمرا لجميع الفنون القولية والكتابية لإخراج سبيكة من طراز خاص هي اهم معطيات كتابة قصيدة النثر
* هل استطاعت قصيدة النثر من الحصول على حريتها من خلال تمردها على القوالب التي قيدتها سابقا ، أم انها دخلت الى عالم أفقدها بريقها ودهشتها وجمالها من الداخل ؟
هذه المسالة تعود لمنتج القصيدة نفسه فكثير ما اقرأ من نماذج قصيدة النثر يقع في الخانة الاولى من السؤال ، والسبب يعود اساسا الى غياب الوعي في الكتابة لهذا النوع الشعري والاستسهال واثر الترجمة ومحاولة تقليدها وعدم الخبرة المطلوبة لغويا وفنيا ورؤيويا ، ولهذا تجد ان النصوص المجيدة في قصيدة النثر قليلة وكتابها المجيدون اقل وتبقى قصيدة النثر محافظة على اسس بنائها الفني زاخرة بكل جميل ومدهش والشواهد كثيرة .
* مَنْ يكتب مَنْ ؟ انت تكتب القصيدة أم القصيدة تكتبك ؟
هذا التداخل بين الانا والقصيدة تداخل سري لا يمكن الفصل بين النص ومنتجه وطبيعة الظروف التي تحيط بالأثنين ، كثيرا ما تكتبني ا لقصيدة بعد عناء واجتهاد وصراع معها ، وغالبا ما اكتبها في طي صراع رهيب ومجهول الهوية سري التوجه ، بين الشاعر والقصيدة صلات سرية مجهولة يصعب الافصاح عنها او كشف سترها ، ثمة نصوص تقودني لكتابتها من خلال رؤية تمر بي ونصوص اخرى اكتبها بقناعة منطلقا من محوري الكتابة الرؤية والرؤيا معا .
* هل لك طقوس في كتابة قصيدتك ؟
طقوس الكتابة متنوعة وعديدة ولكنني بالأعم الاغلب اكتب النص بي او منه بعد ترو واشتغال وسهر وحمى واعدة وتشذيب ولكنه دائما ما ينطلق من بؤرة لا يراها غيري فينهمر جمالا ودهشة كشلال بلا حاجز او مانع
* البعض يعتقد ان قصيدة النثر تقوم على غنائية عالية ، والبعض يؤشر على نجاح القصيدة من خلال الاختزان والاستبطان الداخلي ، فما هي مؤشراتك على نجاح القصيدة لديك ؟
نجاح اية قصيدة يعتمد على عوامل كثيرة لعل اهمها هو خلق علاقة تواصلية لدى المتلقي والشاعر هذه العلاقة لا يحسن صناعتها الا القلة من الشعراء من خلال طبيعة الخطاب الذي يتبناه وزخم الجمال الفني واعتماد اليات تواصلية لجذب المتلقي نحن في العراق نشكو دائما من خفوت التواصلية المطلوبة فيلجا الكثيرون الى متبنيا ت شعبوية لجذب المتلقي وهم يتناسون ان الشعر فن قولي يجب ان تتأزر مع السماع مؤثرات حاضنة وداعمة له ليصل الى الجميع وخلاصة القول لا الغنائية العالية ولا الاختزال هما الفيصلان في ذلك فالأمر راجع لطبيعة وعي الشاعر بنصه وكيفية ايصاله لسامعه او قارئه عبر تلك الاليات ومن هنا تتأكد جدوى الوظيفة الفنية التواصلية للشعر تقليديا كان او حداثويا .