recent
أخبار ساخنة

الحلقة الثانية الفصل الأول/جيل الثمانينات الشعري في العراقكرسي بلا زمن ...

الحلقة الثانية 
الفصل الأول
جيل الثمانينات الشعري في العراق
كرسي بلا زمن ...
شهادة من الداخل
لم يكن هناك مكان لدفن هذا الكنز سوى الذات نفسها التي تعاني من هشاشة البقاء وقلق الوصول الى الضفة الثانية .. ضفة القول الشعري ، اذ ليس هناك سوى معبر واحد هو حد السيف ! وكان على هذه الذات – الجيل - ان تعبر محملة بالتجرية الشعرية الثقيلة والجديدة ولو باعلى الخسائر .. كان لا بد من العبور ولو بنصف جيل او بربع جيل ، كان لابد ان يعبر مخبر ليخبر عما جرى شعريا ..! 
وحين انجلى الغبار وعبر الجيل او بقاياه بعد ان انتهى الزمن الجيلي - عشر سنوات - وحلت لحظة الانفجار الشعري ولمع الماس ، كان لا بد من تعويض وحرق اسطورة المراحل الزمنية .. فكان ان احرقت المرحلة الكبرى المتمثلة بقصيدة التفعيلة في حرارة الانفجار الشعري لجيل الثمانينات ففي حين كانت قصيدة التفعيلة تنمو وتتطور وتتكرس عند الاجيال الشعرية الاخرى السابقة وخاصة خارج العراق طرح جيل الثمانينيات في العراق مشروعه الاكثر اثارة وادهاشاً - قصيدة النثر - القصيدة المخمرة في الداخل صوراً ومفارقات وانزياحات واحداثا وأزمنة مهشمة .. وكل هذه كانت لا تحتاج الى الطبول والايقاعات والمارشات الشعرية التقليدية .. بل كانت تستدعي اللغة المكبوتة لتجعل من الشعر المعاش شعراً مكتوباً ومقولا ، وكان الوسط الادبي المحيط بجيل الثمانينات نقاداً وادباء وشعراء من الاجيال الاخرى ينتظر من هذا الجيل - الثمانيني - شعرا يقوله بلغته التي عبر بها .. لغة الغبار والتاجيل والفقدان .. كانت الاذان الادبية كلها تصغي لما يريد ان يقوله هذا الجيل المهدور دمه وزمنه .. كان وجع الجيل شعرياً لا يحتاج الى تزويق لفظي واقنعة لغوية او خدع موسيقية ترفعه الى سطح المشهد الشعري فكان مشهده الشعري ينم بوضوحه وقساوته عن مزايا الماس المدفون الذي فسر لمعانه ضرورة احراق المرحلة الكبرى ، مرحلة البذخ اللغوي والثياب الوصفية الفضفاضة وان كانت تسبح في فضائها الفني في الشعر .. لقد جاءت قصيدة النثر الثمانينية بفضائها الغني الخاص المنبثق من روح الشعر المعاش اولاً والمكتوب ثانيا .. لذلك رفضت الوصايا على الشعر والتلمذة الباهتة على كراسي الاغتراب الذاتي .. كانت ذات الجيل الشعرية اعمق من ان يغترب عنها او يسلم قيادها الى الابوة الشعرية النمطية ، ولكنه - الجيل - لم يعان من عقدة العقوق الشعري بل كان احساس الثمانيين واثقاً بانهم ابناء بررة للشعر فقط لا للشعراء . 
وحين اعادت لهم الحرب منصتهم رفعوها على مسرح السلم واقاموا مهرجانا كان بمثابة منعطف تاريخي في الشعر العراقي الحديث ... انه ملتقى الشعر الثمانيني الذي اقامه منتدى الادباء الشباب عام 1992 ... هذا الحدث الشعري والثقافي الهام الذي عده البعض مؤامرة على الشعر العراقي .. وفي الواقع كانت هذه ( المؤامرة ) التي خطط لها الشاعر عبد الزهرة زكي ونفذها الشاعر خالد مطلك ، كان لا بد منها لاحداث انقلاب على السلطة الشعرية السائدة انذاك فكان هذا المؤتمر الشعري تتويجا للجهود الخفية الناشطة في كواليس القصيدة العراقية . ولنقف قليلا عند هذا المهرجان الذي استمر اياما فقد كان اشبه بالييان الثوري الذي القته قصيدة النثر على مسامع الشعر العراقي وبالحقيقة على مسامع الدولة العراقية فقصيدة النثر تحمل ضمن تمردها العام تمردها السياسي لأنها لا تسير ضمن الخط التحريضي والحماسي الذي تريده منها الحرب انها قصيدة حرب بطريقة اخرى طريقة الكلام عن آلام الحرب وافرازاتها طريقة مواجهة مع الحرب لا طريقة سير في ركابها من هنا كانت الدولة تتحسس من قصيدة النثر فكان ذلك المهرجان يشكل تحدياً لتوجهات الدولة الاعلامية فالمديح والتحميس لا يليق بقصيدة مدفونة عشر سنوات في تراب الغيب . و قد دعي الى ذلك المهرجان اغلب شعراء الجيل الثمانيني من داخل العراق كما دعي كل نقاد العراق وادبائه قبل بدء الهجرة الثقافية الى خارج العراق منهم ياسين النصير وفاضل ثامر وحاتم الصكر وغيرهم بل كرس نقادا جددا مثل ناظم عودة بل دعي للمهرجان شعراء مغايرون من الجيل اللاحق التسعيني بجلسة خاصة لهم .. وكانت خلاصة المؤتمر ان قصيدة الثمانيين هي قصيدة النثر رغم ان هناك قصائد اشتركت في المهرجان من قصائد التفعيلة التي بدت كانها صوت نشاز في سمفونية قصيدة النثر الجديدة في العراق وكنت انا المشترك بقصيدة تفعيلة اصطدم لاول مرة بثقل قصيدة النثر وقدرتها المنبرية و خطفها فروسية الكلمة من قصيدة التفعيلة واحسست بتاخري في كتابتها وان علي ان التحق بهذا الركب الشعري الجديد فزحفت الى قصيدة النثر بديوان كتبته عام 1993 عنوانه ( اماكن فارغة ) فاز بجائزة الشارقة للابداع العربي عام 1999 والفضل يعود الى ذلك المهرجان - المؤامرة ! ولكني - بالطبع - لم اتب من كتابة قصيدة التفعيلة ولا حتى العمودية ! .
* المهرجان جرى تنظيمه بمبادرة شجاعة من خالد مطلك وبمعارضة شديدة من وزارة الثقافة ولكن بتاييد صامت من حميد سعيد.. وبقيت تكاليف اقامته ديونا لفندق بغداد ضاعت بين خالد مطلك والمنتدى الذي جرى حله فيما بعد حيث رفضت الوزارة التسديد للفندق...

ولم يقف نجاح قصيدة النثر عند حد ذلك المهرجان التاريخي بل امتد ابعد منه ليتوج باصدار كتاب شعري هو كتاب المشهد الشعري الثمانيني في العراق المتضمن قصائد لشعراء قصيدة النثر الجديدة في العراق - ليس كلهم بالطبع - فقد ضمن هذا الكتاب المعنون ب ( المشهد الجديد في الشعر العراقي ) والصادر عن منشورات الامد - بغداد 1992 بجهود منذر عبد الحر ومعونة حكمية الجرار وبمقدمة قصيرة لعبد الزهرة زكي .. وبهذا حققت قصيدة النثر الجديدة في العراق نصرا مزدوجا - المؤتمر والكتاب ...................................
يتبع ..
google-playkhamsatmostaqltradent