ظاهر حبيب الكلابي.
............
تتناول رواية اوراق مخرومة الصادرة عن دار وتريات العراق بابل عام ٢٠٢٢ للروائي طالب عمران التميمي ، وعبر مدخلية الحضور الطافح للعنونة اوراق مخرومة و كذلك عبر مايتشظى من لوحة الغلاف ، حيث توحي بصورة سريالية كابوسية موغلة في الحيرة وهول الصدمة ، كتلة معتمة تتشكل من وجه بشري مكمم وغائب الملامح ، تثري اللوحة هواجس القراءة ، وتشحن فضول القراءة بدوامة من الأسئلة الباحثة عن إجابة لعلاقة ما مفقودة بين العنونة وبين سوريالية اللوحة ، ولعلها تشي بشيء من مجهولية العوالم الباطنية للشخصيات او حبكة الرواية ، تعالج الرواية موضوعة الوهم حينما يتحول الى عقدة او مرض نفسي يحتاج المريض الى مراجعة طبيب نفساني يساعد المريض من تجاوز مرضه النفسي عبر جلسات ، وحلقات إعتراف تتناول أعقد المحطات التي كانت قنطرة للصدمة والتحول السريع نحو إنطواء الشخصية وذبولها ،
كان الدكتور كريم هو من يتولى وحسب إختصاصه الطبي ، آلية الإستماع الى مرضاه الذين يراقبون الطرق ويتفحصون وجوه المارة قبل ولوجهم العيادة خشية وخجلا من ان يراهم من يتعرف عليهم وتكثر القصص وتتناسل الأخبار عن جنونهم وخبالهم حسب العرف الإجتماعي ، فالمرض النفسي في مجتمعاتنا الشرقية مرض متهم صاحبه بداية وبمصادرة أولانية حاضرة ، بفقدان ثمرة الوجود وعقلانيته ،
فالابطال الذين تناوبوا على حضور جلسات العلاج النفسي في عيادة الدكتور كريم وقام بتوثيق تلك الحالات المرضية في اوراقه المبعثرة ، عبر عشر جلسات وحددها بعشرة أوراق ، جعل لكل مراجعة وحالة ورقة خاصة ، ولكن المشكل في الرواية ان جميع ابطال الرواية يعانون من متسلط قهري هو الوهم ، فالدكتور كريم يعاني من افكار متسلطة وقلق ووحشة ووحدة بعد وفاة زوجته ، حيث تراوده الصور المخيفة والأشباح المتطاولة عبر زحاف القلق والضجبج في الخارج وتبعثر الاوراق ، اوراق مرضاه الذين سربوا له المرض والقلق . تظهير سردي
طبيب يداوي الناس وهو عليل ص٩
لا اعرف ربما اصبت بعدوى الوهم مرضى الأوهام يستمرون في الإعتقاد بصحة أوهامهم، ازداد الطرق على النوافذ من الحصى المتطاير ، اقتربت من النافذة الزجاجية للتأكد من احكامها، عاد الشبح من جديد ، رجعت خائفا اقلب الاوراق وما دونته من جلسات لمرضاي ، مع تسجيلات صوتية لأخرج من حالة الخوف التي داهمتني متحاشيا النظر ، الى الأشكال المعتمة التي كانت تلوح من زجاج النافذة.. سحبت الستائر اوراق قد تدلت من فوق الطاولة الصغيرة بالقرب من السرير.، ص١٠ حيث نلمح حالة الخوف واوهام الرهبة التي تعانيها الشخصية المركزية التي تناولت السرد بضمير المتكلم والراوي العليم ، كما ان هناك شخصية اسعد تناولت السرد ، عبر دوامة الوهم المستحكم بعلميتها ومعرفتها ولكنها كانت ضحية هذه الذات المتورمة من وحي الغرور وتضليل الطبيب الموهوم بهوس المعرفة، وسلطة الفرادة في الرأي ودقة التشخيص ، بسلامة اسعد زوج حليمة من داء الكلب الذي أصابه جراء تعرضه لعضة الكلب الأسود ماكس الذي كان يربيه ويهتم به . تظهير سردي
( في أحدى الايام كان الكلب جائعا جدا ، نهره، تنمر عليه حاول ان يصرفه الا ان يد الكلب كانت اقرب اليه فأصابته بخدوش بسيطة ، سرعان ما التهب الجرح ، هاجمته الكوابيس بسبب الحمى التي تعاوده بين فترة واخرى ، والعرق ينبجس من مسامات وجهه باردا) ، ص١٠. حيث تنتقل الشكوك ودوامة الاوهام التي عانتها أحلام زوجة اسعد ولكنها كانت حقائق عن مرض زوجها بداء الكلب ولكن الطبيب المعالج لم يعتن بالامر وصوره لها ذلك القلق بالاوهام ، لما كان يعانيه هو من اوهام مركبة. متسلطة ، تستبيح وعيه وتلافيف تفكيره ، تظهير سردي.. في. ليل شتوي بارد نزلت الى المطبخ لأعد العشاء سمعت صوت نباح في الاعلى من داخل الغرفة ، استغربت كثيرا من اين دخل الكلب؟. وهكذا كانت تعاني الساردة حليمة من تراكم الشكوك وخوفها من اوهام تطاردها من ان هناك كلبا في الاعلى ولكنه كان زوجها وقد استفحل عليه الداء اللعين داء الكلب فأخذ بسلوك الكلاب ونباحها . تظهير سردي.. بقيت مترددة.. شككت في نفسي . رجعت الى المطبخ.. عاد الصوت يطرق في رأسي، سرت ببطء على اطراف اصابعي ازداد نباح الكلب، ثمة تساؤلات كثيرة تطرق رأسي، هل الكلب يهاجم زوجي ، او... ذلك الكلب الذي طالما نباحه يراودني. ص١١ تناولت الورقة الثامنة من اوراق الدكتور كريم جلسة الإعتراف النفسي للشخصية حليمة زوجة أسعد التي كانت تعاني من اضطرابات نفسية ، فوبيا الكلاب منذ كانت طفلة وقد هاجمها احد الكلاب ، تشك في نفسها مرضا وعقدة من الكلاب وتضخمت الحالة بعد مرض الزوج اسعد نتيجة عضة كلبه الأسود المريض فأخذ التناوب السردي بين احلام والدكتور كريم . تظهير..( دكتور إني بحاجة إلى علاج... اصوات ضجيج ، صور اعرف ان هذه اوهام ام حقيقة . هل يموت زوجي اسعد؟
لا انها مجرد خدوش بسبطة.) . ص٩٢
(سمعت ان من يتعرض لعضة كلب يأخذ صفات وسلوك الكلب) ص٩٣
(تصور دكتور حتى ان سلوكه في الفراش، حين يقترب مني يشممني بدلا من ان يقبلني يلحسني بلسانه المتدلي ويعبث بي من رأسي حتى أخمس قدمي يثير اشمئزازي فأصاب بالغثيان والرجع.) ص٩٥
(لكن دكتور كريم على طول الوقت يتعامل معها على انها هي المريضة وكل ماتقوله هي من نسج خيالها وان زوجها اسعد أصيب بخدوش بسيطة ثم شفي) .. ص٩٧
نجح الروائي في الإقتراب و التمييز بين شخصيات الرواية بين انسانية بعضها وسادية البعض الآخر ، الذين يتشفون في تعذيب ضحاياهم فالشاب العشريني كامل الذي راجع الطبيب كريم لعلاج صدمته من جراء حالة اغتصاب تعرض لها من جماعة خارجة على القانون والوجدان ، مع ثلة من الشباب المتظاهربن الطالبين بحقوقهم ومصيرهم ومستقبلهم ولكنهم خطفوا وعذبوا واغتصبوا لكسر عيونهم كما تدعي فحولات الجماعات المتسلطة ، حيث جعل الروائي من حالة المعادل الموضوعي بين الكلب الحيوان المكلوب الناقل للمرض والموت والخيبة، وبين البشر المتوحش في آدمية زائفة تنقل الموت والمصادرة والقهر ، فالشخصيات تعاني المرض والخواء والقهر بسبب كائنات متوحشة ولن تجد العلاج المطمئن بدلالة الطبيب المخرف بأوهامه وقلقه المزمن،
كان الفضاء المهيمن على الرواية فضاء الترقب، والقلق الجواني المتسرب من بيئة ملئ بالمنغصات والشرور .
تظهير سردي.. ( هالني ذلك المشهد في جهاز النقال لدكتور كريم الذي تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي.. رياح قوية في ليلة ممطرة يظهر كائن يمشي على قائمتيه الخلفيتين.. تيار الهواء البارد يكاد يقلع الأشجار.... يصرخ حتى صار الصراخ عواء يحفر حجرا ياوي اليه، كور نفسه، انكمش يبحث في الأرض.. اخذ يضرب برأسه متلذذا يستمتع بتعذيب نفسه تجتمع حوله مجموعة كلاب .. تنطق صيحة عواء وكأنه عزاء ثمة أمرأة وصلت اليه متأخرة، تتطلع مفزوعة..
أردف دكتور كريم قائلا... كانت الصدمة كبيرة علينا....... لمعرفة موت اسعد بتلك الطريقة الشنيعة عند جحر الكلب. .. لم يكن مازوخي يضرب برأسه الحجر للخلاص بسبب نوبة رهاب الماء والهواء واستفحال فايروس داء الكلب اللعين لم يشخص الا بعد موته لم أكن وحدي واهما بل الشيخ حسن ايضا.. وان كل ماشاهدته حليمة وسمعته من الاصوات كان واقعا ولم يكن متخيلا ولاهو كابوس كما نظن او ذلك السائر في نومه ) ص١٠٦.. ١٠٧
عبر هذا الملفوظ السردي للدكتور كريم نلاحظ مدى تفرعن الهوس هوس التخيلات والأفكار المتسلطة، على شخصية الدكتور كريم، نما افقده رؤية التشخيص الدقيق لمرضاه والذي كان أسعد احد ضحايا هذياناته ، وكانت احلام زوجة اسعد اقرب منهم في تفسير الحالةوتحديد طبيعة الشرور المحيطة بهم ، من الدكتور كريم ومن الشيخ حسن المعالج الروحاني ، ولعلها تفسر مجهولية ماهو قادم ومحيط بالواقع الخارجي مرجعية عوالم الشخصيات التي فقدت بوصلة الرؤيا وغدت تتخبط في تبريراتها الحاضرة الجوفاء ، ولاتبصر حقيقة ما يجري حولها الا بعد الخيبة والفقد ، وماداء الكلب الا رمزية للداء المتشظي في ربوع المعمورة ، من فقدان للأمن والسلامة ومجهولية المصير .