recent
أخبار ساخنة

بصمة الشعر في ... دوران/دراسة نقدية يوسف عبود جويعد

بصمة الشعر في ... دوران/
دراسة نقدية يوسف عبود جويعد
عودة للشاعر جاسم العلي من خلال مجموعته الشعرية ( دوران) حيث سبق وأن مررنا بتجربته الشعرية في مجموعته السابقة (فوانيس)، والتي وقفنا من خلالها على العناصر والرؤى الفنية التي اتبعها الشاعر في تدوين تلك المجموعة، أما مجموعته الجديدة فأنه يقدم لنا نصوصه الشعرية مقسمة على دوران ثلاث، يضع فيها تجاربه الشعرية المستقاة من الهموم اليومية، وتجاربه التي عاشها، والعلاقة العاطفية، وثيمات اخرى، أعتمد فيها على الجزالة والاختصار، وانتقاء المفردة الشعرية، التي وظفها لتلائم سياقها الفني الذي اختطته كحالة تفرده عن غيره، حيث نجد أنه يعتمد على المفردة الشعرية في عملية بناء القصيدة، وبشكلها المقطعي، والمنفصل عن وحدة الموضوع وانسيابه وحركته التصاعدية، وانما يجد أن انتقاء المفردة الشعرية الجزيلة والكثيفة يمكن لها أن تكون بديلاً عن القصيدة التي تعتمد على وحدة الموضوع في بناءها، الأمر الذي جعله يكتب قصائده الشعرية غالباً ما تكون ضمن سياق الومضة، أو القصيدة القصيرة، القصيدة التي تعتمد التكثيف في بناءها، ونجد كذلك أنه ملتصق بعالم الشعر وسحره وخصوبة خياله، وعمق بلاغته، وهذا الاتصال المتواصل هو الذي منح نصوصه حسية شعرية عالية، وقدرة على استحضار الصورة الاستعارية، والانزياحية المعبرة، في تكوين وتشكيل بنية النص، إذ يقول في مستهل مجموعته (الاهداء
الى الشعراء وهم يؤسسون للعالم دوراناً جديداً بين افلاك السماء نزولاً الى أرض الرؤى والجمال والعرفان للأثر الخالد، الإنسان) 
وهكذا نكتشف أن الشعر ينبعث من الإنسان الى الإنسان في أثره الخالد، وفي القسم الأول من هذه المجموعة التي وسمها الشاعر (النصوص دوران.. اول) لندور معه الدورة الاولى، لنكتشف أسلوبه في تدوين النصوص الشعرية، وفي قصيدة (ألفة) وهو يناجي محبوبته بلغته الشعرية:
أُخبئ وجهكِ في المستحيل
في انفجار الفراغ اللصيق...
كغربةِ ظل غادرَ ظله 
لتؤلف رغبة الرنين 
صوت منتهاه
أو فراشة تنامُ 
على أجراس 
على جسدِ مرارات،
نبوءة ضوء أنثى. 
وهكذا نكتشف أن الشاعر أعتمد بشكل أساس على الصورة الشعرية والمفردة الشعرية والجملة الشعرية، ليقدم لنا رؤاه الفنية من خلال هذا لاختصار والتكثيف والحس الشعري الوامض، أما قصيدته المختزلة الجزيلة (لا تفزعي) فتقدم لنا حالة الانسجام والوله بين الحبيبين تحت سحر القبل:
لا تفزعي...
من رعشة القبلات
فشفتاك الناعمتان تبددان
الخوف،
تتفتحان بأسرار
اليقين 
بينما تقدم لنا قصيدة (نهار) وقع النهار في روح الشاعر:
حافلٌ ... 
بالنظائر شكل الغياب
قابل...
للطي والتذكر غشاء
الرغبة!
في تنامي النهار
ومن الواضح أن تجربته في إعداد الومضة الشعرية، وعملية بنائها وتشكيلها، صارت من المميزات والصفات التي يتصف بها الشاعر جاسم العلي ونتابع في هذا الدوران الاول، بعض من تلك الومضات:
حصى 
حين تطئين الحصى 
يشهق بالتحننِ
والأنين
 وردة الأماكن
كي لا يجيء الزوال
ارسمك وردة
تُلبسُ الأماكن وجهها.
وننتقل الى النصوص الشعرية في دورانها الثاني، بعد أن اكتشفنا أن الشاعر جاسم العلي، بقي محافظاً على أسلوبه الشعري في الكتابة، للأنواع النثرية الثلاث، القصيدة النثرية الشعرية الوامضة، والقصيدة النثرية الجزيلة، والقصيدة النثرية القصيرة، لنتابع في القصيدة النثرية الجزيلة (حيرة) كما يجدها الشاعر:
للحيرة 
أسئلة
وجع مسكون
بشغف الحوار
لئلا تحترق
أجنحة الفراشات.
بينما تقدم لنا القصيدة النثرية الشعرية الوامضة (عري)، بالصورة التي نراها في هذا النسق الفني من الشعر، حيث إنها سرعان ما تومض، ثم تأفل:
العزلة العارية
ترنيمة عدم أخير.
أما القصيدة النثرية الشعرية القصيرة (هدهدة) تلك العلاقة الجميلة بين الطبيعة والحبيبة والطيور:
العصافيرُ
على سياج حديقتكِ
تتلوا سر الحُلم
بجذور قيامتها
وعيناكِ...
تشعان ... تبحثان
عن معرفةِ الظل
ووحدة الجسدِ في الأشياء
وهدهدة السماء
ونأخذ من النصوص التي تدور في الدوران الثالث بعض النماذج، وفي القصيدة القصيرة (دوائر) ندور معها محلقين على اجنحة الشعر:
كل...
شيء نساء وأيام، ذاكرةٌ رخوة 
ودوائر...
..........
لا شيء...
بأسئلة الحروب...
دمع الأمهات رصاصٌ يحرقُ
المعنى...
.........
الحياةُ...
مدار قصير...وحوارُ الموت يقطعُ
الزمن
ومن القصيدة الوامضة نأخذ (ندى الرحيل) 
الرحيل ندى 
يبدأ 
بعاصفة النجوم 
على شبابيك الرجوع.
وهكذا وبعد رحلتنا مع المجموعة الشعرية (دوران) للشاعر جاسم العلي، نكتشف وبشكل لا يقبل الشك، أن الشعر لدى كل شاعر، مثل بصمة اليد، فليس هنالك شاعر يشبه شاعر، ولا قصيدة تشبه قصيدة، ولكل شاعر بصمته التي تخصه وحده، والشاعر جاسم العلي له بصمته التي تميزه.

من اصدارات دار العراب – دمشق لعام 2021
google-playkhamsatmostaqltradent