recent
أخبار ساخنة

نص ونقد ... عبدعلي حسن

* نص ونقد 

 1-- ( قبل أن تطلقَ النارَ على أحدهم 
      تذكّر بأن لهُ أُمّاً
       ستتبعُكَ عيناها اينما ذهبت
       حتّىٰ تُغرقكَ في دمعها )

2-- ( لم تُعجبهم فكرتَهُ
        لذلك ثقبوا رأسَهُ بطلقةٍ 
        من ذلكَ الثقب ستخرجُ فكرتهُ
        الىٰ العالمِ
         وتتمدّدُ كنبتةٍ مُتسلِّقة )

3-- ( قلبٌٍ واحدٌ فقط
        بداخلِ كلِّ شخص
        ولكنَّ القلبَ قطارٌ مليءٌ بالناس
        يموتونَ كُلُّهم
        حينما تقتلُ من ظننتهُ واحداً )

                           قصيدة ألواح ٦
           الشاعرة العراقية المغتربة دنيا ميخائيل 
            مجلة شعر الأمريكية نيسان 2022

 * رؤيا العالم في نص (ألواح) -----------------------
 إستاثر النص الشعري القصير جداً باهتمام الشعراء منذ زمن ليس بالقصير ، ففي العقود الخمسة المنصرمة اتجه الشعراء العرب والعراقيون الىٰ مجافاة النص الطويل تبعاً لما أفرزه حراك الواقع من تسارع وظهور الميل الاختصار والتكثيف الدلالي ، وكان من نتائج هذا التوجه والميل هو إدراك الشاعر للفعل الجمالي والمعرفي الذي ينهض به ويحتويه النص القصير جدا علىٰ مستوىٰ البناء والمضمون ، إذ نتلمسُ اقتصادٌ في المفردة والجملة التي من الممكن تحميلها بحمولات شعرية ذات اكتفاء دلالي يقطعُ الطريقَ أمام تضمين النص فاىضاً لغوياً يضرُّ بمواجهات النص ومركزية التجربة وموضوعها .
ومن بين الشعراء العراقيين المعاصرين الذين برعوا في تأكيد الخصائص الجمالية والفكرية لهذا الشكل الشعري هي الشاعرة العراقية دنيا ميخائيل التي ظهرت تجربتها الشعرية اللافتة للنظر في العقد الثمانيني من القرن الماضي وتطورت خلال العقود اللاحقة واحد الٱن ، وسنتلمسُ أثر ذلك في تحليلنا لمقاطع شعرية حازت على استقلالية واكتفاء دلالي فضلاً عن وجود وحدة موضوعية بين هذه المقاطع وجدتها الشاعرة خيطاً مشتركاً بينها عبر الوصول إلى معالجة بنية واحدة وهي بنية (القتل) وامتداداتها في كل مقطع ، وهذا ما جعلها -- المقاطع -- اجزاء مستقلة من جانب اكتفائها الدلالي ومكونة لنص واحد تنتظمه وحدة موضوعية وعضوية احيانا أخرىٰ ، إذ سنعمدُ الىٰ الكشف عن العناصر المكونة لبنية (القتل) والبحث عن السياق الاجتماعي الذي أنتج هذه البنية ارتباطاً بتجربة تفرزها حراك الواقع ، ففي النص الأول تنهض الوظيفة الأفهامية / الخطابية بمهمة تشكّل العناصر التي اتخذت صفة التنبيه قبل حصول عملية القتل وماستؤولُ إليه عبر تتبع أثر حصول القتل علىٰ الأم ، فالقسم الأول من النص هناك مُخاطب بفعل أمر (تذكّر) اشارةً لما يمكن أن يحصل قبل إطلاق الرصاص اعتمادا على تجربة حياتية وهي جزع الأُم عند مقتل ابنها ، وهو ماقام به القسم الثاني من النص عبر الفعلين اللذين ستقوم به الام كردّ فعل لقتل ولدها ، الأول (ستتبعك عيناها) للملاحقة والثاني ( تعرفك بدمعها) ، فقد نهضت هاتان الجملتان الفعليتان بالوظيفة الشعرية للنص ، ومحقّقةً لرؤيا النص التي انصبّت على الام كردّ فعل لما يمكن أن تقوم به الام لمقتل ولدها ، وبأن اللعنة ستظلُّ تطارد القاتل حتى يغرق بدمع عيناها ، إذ أن التعبير المجازي لردّ الفعل قد اتخذ وضعاً إنسانياً شمولياً للكشف عن أثر فقد الابن ، وفي النص الثاني يمتدُّ أُفقُ القتلِ ليتجاوز القتل الفعلي /المنظور والملموس ( ثقبوا رأسه بطلقة) الىُ القتل المجازي وهو قتل الفكرة التي لم تعجبهم ، وماستؤول إليه عملية القتل الفعلي ( من ذلك الثقب ستخرج فكرته ..) للإشارة إلى عدم إمكانية قتل الأفكار وان تحقق القتل الفعلي ، إذ سيكون لتلك الفكرة حرية الانتشار والإتّساع ( ستخرج فكرته إلى العالم ...وتتمدّدُ كنبتةٍ متسلّقة) وهذا تحصيل لرؤيا النص ، وفي النص الثالث تناصٌّ غير مباشر مع النصوص المقدسة للملل الإبراهيمية التي طرحت الموقف الالٰهي من عملية القتل القسري بدون وجه حق ، ولعل اقربها لنا ماورد في القران الكريم ( ومن أجل ذلك فقد كتبنا على بني إسرائيل بأنَّهُ من قتلَ نفساً بغير نفس أو إفسادٍفي الأرض فكأنما قتلَ الناسَ جميعا ...المائدة ٣٢) إذ ذهب النصُّ الىٰ صياغةٍ شعريّةٍ لموجهات النص المقدس عبر رسم مشهد / صورة كلّانية لفعل القتل الذي يمتدُّ تأريخه منذ النشأة الأولىٰ والذي افتتحه قابيل بقتله هابيل واستمرَّ عبر الأزمان بطرق وأساليب مختلفة ، إذ يكرّسُ النص حالة ارتباط واندماج الفرد بالمجموعة ( قلب واحد فقط 
                  بداخل كلّ شخص
                 ولكنَّ القلب قطار مليء بالناس )
  وكلُّ مايتعرضُ له الفرد/ الشخص تتعرضُ له المجموعة بما في ذلك فعل القتل ( يموتون كلُّهم
                 حينما تقتلُ 
                  من ظننته واحدا) 
لقد تبدّت شعرية النص في تصوير الفعل الاندماجي بين الفرد والناس عبر تشبيه القلب بالقطار الذي يشهد صعود ونزول الناس في إشارة إلى ديناميكية الحياة التي يعيشها الفرد في تعالقه مع الآخرين ، وإذ يُقفلُ النصُّ على بنية التوحد والتعالق الاندماجي بين الفرد والمجموع إلى مستوىٰ تأثر المجموع بفعل القتل الذي يتعرضُ له الفرد وهو الثمن الذي يدفعه الفرد دون وجه حق بقتله .
لقد تمكنت النصوص السالفة من الاحتفاظ باستقلاليتها الدلالية ومساهمتها في تخليق خطاب شعري بتعالقها بعضها ببعض لمعالجة بنية مركزية وهي موضوعة القتل بعدّه فعلاً اقصائياً لحياة الفرد ثم المجموعة ، فقد استفاد النصُّ كثيراً من التجربة الإنسانية الشاملة ، وبذلك فقد خرج إلى منطقة شمولية عبر تمثّل محلية التجربة وإكسابها بُعدها الإنساني .

      عبد علي حسن
       15/4/2022
google-playkhamsatmostaqltradent