recent
أخبار ساخنة

مخرومة للروائي والناقد طالب عمران المعموري/ بقلم الاديب حميد الحريزي


تحولات الذات الانسانية بين العلم والخرافة في رواية أوراق مخرومة للروائي والناقد طالب عمران المعموري
بقلم الأديب حميد الحريزي

رواية ((اوراق مخرومة)) صورة تحولات النفس البشرية وتحولات الانسان من حال الى حال ،بين الاتزان والحكمة ، اللامعقول والعبث ، بين الطمأنينة والخوف ، بين الامان والرعب ، بين الثقة بالنفس والضعف والانكسار ...الخ
كذلك فأن الروائي يسلط ضوء الكاشف للأسباب التي تقف وراء هذه التوصيفات السلوكية وتحولاتها من حال الى حال فمنها :
البيولوجي \ حيث يصاب الجهاز العصبي للإنسان بخلل ما يؤدي الى تبدل سلوكيات الانسان ، فيفقد توازنه او يصاب بالنسيان وعدم التركيز بالكلام أو عدم القدرة على التركيز في التفكير والتدبير .
التعرض الى صدمة \ الجهاز العصبي للإنسان جهاز معقد يختلف من انسان الى اخر وقد صنفه علماء النفس الى عدة أنواع مما ينعكس على سلوكيات الانسان وردة فعله على ما يتعرض له من المحيط الخارجي من مشاهد او ممارسات خوف وحزن ، فنرى أن بعض الناس تدمع عينيه لي مشهد محزن أو لفقدان عزيز او حينما يتعرض للإهانة والاذلال فيجهش بالبكاء ، في حين أن اخر يبقى صامدا قويا يكبت ردة فعله بالجلد وعدم المبالاة ، وبعضهم يرد ردا هستيريا عنيفا مدمرا ناحية فاعل الاذى .وقد يكبته ليتحول تدريجا الى حالة من اللاتوازن في السلوك كالحقد والانطواء والانعزال ...الخ .((لدى الشخص تخيلات مكبوتة منذ الصغر تكبر معه... وعندما يجد طريقة لإخراج تلك الشهوة تكون مثل البركان الذي ينفجر..))
الخوف والقمع \ الخوف والقمع الشديد يؤدي الى ردات فعل مؤذية على الشخصية المقموعة سواء من قبل سلطة العائلة كالأب والام والاخ الاكبر والزوج ...الخ ، أو من قبل المعلم والمدرس ، أو من قبل النظام السلطوي الحاكم كالأنظمة الديكتاتورية والفاشية بمختلف توصيفاتها ، أو التعرض الى فعل قمعي لمنظمات فاشية ...وهنا ستكون ردة الفعل حسب نوع وشكل القمع المسلط كالضرب والاهانة والتقليل من قيمة وانسانية المقموع ، واحيانا الاعتداء على شرف المقموع كالاغتصاب مثلا (( أزداد ضحايا الأمراض النفسية بسبب الحروب واضطهاد الحكومات والظروف الاجتماعية العصيبة )) ص57.
وحتى للبيئة والطبيعة أثر على السلوك الانساني بين الانفتاح والانطلاق وبين الانعزال والخشونة والغلاظة ، كأن تكون بيئة جبال ووديان وغابات ، وبحيرات ، ورعود وثلوج وأمطار ، او سهول وواحات وأنهار ، او بية صحراوية جرداء وجفاف ...
فالشخصية الانسانية هي بنت ظروفها ومحيطها الايجابية والسلبية من اجتماعية أو سلطوية ، او بيئة طبيعية .
فمثلا حالة (اسعد) واصابته بداء الكلب نتيجة خدش اصابه به كلبه ماكس الذي مات بحادث دهس سيارة بعد حادثة الخدش ،فأصبح أسعد يتصرف تصرف الكلاب ورهابه من الماء والرياح ومساكنته للكلاب خارج المنزل ، تجاهل الطبيب لتوصيفات زوجته وعدم الاسراع بالعلاج أدى الى استفحال المرض وهلاك أسعد .
كما يعرض لنا الروائي نموذج الشاب الذي تعرض للخطف والاغتصاب من قبل عصابات مليشياوية فاشية لمشاركته في تظاهرات تشرين ضد الفساد والقمع ، وماتركته من ندبة لا تنسى في حياة الشاب .كما هو حال الشاب ((كمال)) الذي قام بزيارة طبيب النفسي باسم مستعار خوفا من اتهام الناس له بالجنون ، فالناس تخشى ان تعترف بأمراضها النفسية حتى لا ينظر المجتمع لهم بريبة ويشنعون ويشهرون بهم باعتبارهم مرضى نفسيين ، فلم يعتبروا المرض النفسي كأي مرض عضوي اخر يصيب الانسان ويجب معالجته لا ل يعتبرونه عيبا ونقصا يجب عدم الافصاح عنه .
ورهاب الخوف من الكلاب كما تعرضت له الفتاة لمواجهتها كلبا اسود في ظلام الليل ...والتي اتهمومها بالجنون .
وحالات أخرى من الانحراف السلوكي وحسب الشخص ونوع جهازه العصبي ونوع المؤثر .
طبعا هناك اكثر من مدرسة لعلاج هذه الحالات كالفرويدية وتفرعاتها المختلفة ، والمدرسة البابلوفية التي تعتمد على نظريات الانعكاس الشرطي وتحولاتها الدماغية العضوية ، وهناك المدارس الشعبية المبنية على الخرافة وقدسية الشخص ومؤثراته على المريض .
هناك طرق علاجية مختلفة منها نفسية ايحائية كالتنويم المغناطيسي او الحث على سلوك معين مثل حالة عدم الثقة بالنفس التي تعرض لها الشاب المتعلق بأذيال زوجته اينما حلت او ذهبت لا يقدم على اية فعل بدونها فتمت معالجته بإعادة الثقة اليه بالاستدلال والذهاب للبيت بمفرده وعمله في حديقة المنزل .
والبعض الاخر يعتمد على استخدام العقاقير المختلفة وحسب الحالة ، او العمل بأبعاد المريض عن المؤثرات الخارجية التي سببت له الانحراف السلوكي السوي ، او استخدام الكي أحيانا .
ولكن أسوء حالات العلاج حينما يتم الاعتماد على المشعوذين والمحتالين ((اصحاب الكرامات، والدجالين والقديسين)) وما يمارسونه من زيف ونصب وايذاء للمريض عبر الضرب والتخريف والتخويف ...
ومنها زيارة اضرحة الاولياء لزرع الامل والتوسط الشفاعة عند الله لشفاء المريض وخلاصه من الجن الشرير كما يعتقدون ...على الرغم من كون بعض الاضرحة مزورة ولا وجود لشخصياتها في الواقع كما هي قصة ((عبد الله الحطاب))صاحب الحمار الذي خلق له كرامة وقدسية ووسيلة لشفاء المرضى وقضاء حاجات المقهورين والمعوزين ،وكيف كشفه صديقه بعد رفض أن يشاركه  
ومنها مثلا قراءة الكتب حيث يبدد الكتاب الكثير من الهموم والمشاعر السلبية عند الانسان حينما يكون اختيار الكتب واعيا والقارئ يعرف مما يختاره من الكتب بعيدا عن الكتب الصفراء المحملة بالكذب والخرافة والزيف والحث على التجهيل والتضليل . ويشير الروائي الى خوف الانظمة الديكتاتورية التسلطية ممن الكتب والكتاب ومن الثقافة والمثقفين ومطاردتهم وسجنهم وقتلهم واحراق الكتب والمكتبات لنشر الجهل والتجهيل بين الناس لديمومة حكمهم وسلطتهم .كما حدث لابي نزار من قبل سلطة البعث الفاشي وزمرته .
المعضلة الكبرى هي الاعراف السائدة بين اغلبية الناس وعلى وجه الخصوص من الطبقات الشعبية المسحوقة وتمسكهم بالخرافة وتقديس الكثير من المشعوذين وأدعياء المعرفة وامتلاك الخوارق كما هو الشيخ وادي حيث طلب منه دكتور كريم بالابتعاد عن حليمة والطلب من ذويها اخذها لطبيب مختص فأجابه قائلا (( دكتور اجبروني الناس على هذا العمل هم يكررون الامر نفسه مع رموز يصنعونها، يمنح الناس القداسة لرموز، هم من صنعها حتى صاروا أغنى الطغاة وكما قال فوتلير((من الصعوبة أن تحرر السذج من الاغلال التي يبجلونها)) ص55.
ولم يغفل الروائي التنبيه الى خطورة النماذج المحتالة التي تسلب الناس كنوزهم المهمة مثل المخطوطات النادرة جدا .
وماتعرض له نزار ابن الضحية الشهيد الذي اعدمه النظام حينما فاجأهم الديكتاتور صدام الى احد مزارعه وما تعرضوا له من خوف ورهبة من أن يقتلهم لأقل خطأ أو هفوة تصدر منهم ، خوفهم الكبير من طاغية مستبد على الرغم من أنه اكرمهم وامر لهم بضيافة جيدة ؟؟!!!
الكلاب وعلاقتها بالإنسان :-
على الرغم من أن النظريات العلمية في اغلبها ترجع اصل الكلاب الى الذئاب ، لكن الانسان تمكن من ترويضها قبل اكثر من 15 ألف سنة ، فقد أصبح الكلب من أقرب الاصدقاء للإنسان عبر تاريخ حياته الطويل ، حتى سبق علاقة الابقار والماعز بأكثر من 5000 عام .
وربما يعود ذلك الى تقبل الذئاب لهدايا الانسان وتفضله بإعطائه بقايا فضلات غذائه ، هذه ظاهرة يمكن لمسها لأغلب الحيوانات الاليفة كالكلاب والقطط والابقار والماعز والخيول والحمير ، ولاشك أن الانسان هذا المخلوق الفائق الذكاء تمكن من ترويض اغلب الحيوانات المتوحشة حتى النمور والاسود ..الخ
يتحدث الروائي عن العلاقة القوية جدا بين اسعد وكلبه المحبب (ماكس)وهو من سبب له الاصابة بالمرض نتيجة خدوش وهو يتحدث عن قصة الكلب الياباني المشهور اكثر من ابطال هوليود((هاتشكو، وكيف كان ينتظر سيده هيده البرفسور في قسم الزراعة في جامعة طوكيو حتى عام 1925 حيث لم يعد البرفسور من عمله في الوقت المعتاد حيث ينتظره الكلب كل يوم ، حيث توفي هيده بمرض نزف الدماغ ((الا أن هاتشيكو لم يقلع عن عادته في انتظار سيده امام باب المحطة يوما بعد يوم في انتظار عودته، واستمر على هذا الحال عشرة سنوات متتالية حتى لفت انتباه الكثير من المارة في المحطة وانتشرت قصته . مات هاتشكو في 8 مارس 1935 وجثته محنطة ومحفوظة في المتحف الوطني للعلوم في أوينو ، طوكيو )) ص222.
واحد شخصيات الرواية يتحدث مع طبيبه قائلا ((أرى وجوها بشرية على أجساد كلاب ، مقصيون، مهمشون ، مقموعون ، منكوحون، مازوكيون، ساديون ، سياسيون، مرتشون، فاسدون، قوادون، ممسوخون، ومستضعفون قد بان الأخصاء على وجوههم..)) ص26
تنقل بنا الروائي عبر شخصياته وبين علم النفس والاجتماع وعبر نماذج من السلوكيات الغير طبيعية للناس والكشف عن أسبابها الحقيقية ، بأسلوب سردي جميل والانتقال من حالة واخرى بصورة ذكية وسهلة دون أن يشعرك بالملل فقد كان موفقا في ذلك ، على الرغم من كونه يدخل احينا دخولا مباشرا في ضخ المعلومة او ذكر الحدث ليحل محل الراوي العليم .
ثيمة الرواية غير مكررة كثيرا حسب علمي في السرد الروائي العراقي ، وهي تعالج وتلقي الضوء على الكثير من حالات الانحراف السلوكي للإنسان التي اصبحت ظاهرة خطيرة في زمننا الحاضر نتيجة للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وتحولاتها الخطرة من ديكتاتورية فاشية الى ديمقراطية لصوصية مليشياوية مزيفة وحجم الضغط النفسي الموجه ضد الانسان البسيط تحت سياط القهر الفكري والمعيشي والجسدي الذي تعرض له الانسان العراقي خلال مسيرته الحياتية التي تمتد الى عشرات السنين في الماضي والحاضر .
كانت حبكة الرواية محكمة ومتماسكة ، دون اسهاب بل اختزال وتكثيف موفق لم يخل بمجرى سرد الاحداث والذكريات وماتعرض له الانسان العراقي في مختلف الحكومات الممسكة بكراسي السلطة ، كما انه كان موفقا في تأثيث شخصياته من حيث الشكل والعلامات البارزة والمميزة لتكون صورة مجسمة أمام المتلقي .
google-playkhamsatmostaqltradent