(( التربية والتعليم إلى أين ..؟! ))
كتبنا في هذا الموضوع كثيراً ، وتحدّثنا عنه كثيراً ، وطرحنا الكثير من السلبيات والمقترحات والحلول للنهوض بهذا الواقع المتدنّي جداً لأهم مفصل من مفاصل حياة الأجيال الحالية والقادمة ، لكن بلا جدوى ، لم يسمعنا أحدٌ وكأن في آذانهم وقراً ، أو سمعونا ولم يعيروا أهمية لما قلناه وكتبناه ، بل لم يتحرك أحدٌ لانتشال جزء بسيط من هذا التردّي الواضح والملموس في مجال التربية والتعليم ، والسبب الرئيسي والأهم هو المحاصصة المقيتة والمصالح الفئوية الضيّقة والضمائر الميّتة التي تبحث عن الدولار أينما كان لترفع به نسبة أرصدتها هنا وهناك، حتى بات المنصب الوزاري والخاص سلعة يتاجرون به دون وازع من ضمير أن هذا المجال هو بوّابة المستقبل للجميع شعباً ووطناً ، لكن مَنْ يسمع ، ومَنْ يقرأ ؟! والنفوس تحجّرت واعتلاها صدأ الخراب والفساد للأسف !!
قبل أسبوع عاد أبناؤنا إلى الصفوف بعد عطلة قسرية دامت سنتين ، كانوا بها بين متابع الكترونياً ، وبين عازفٍ عن كل شيء ، دخلوا الامتحانات وكانت بين حضورية والكترونية أيضاً ، نجح مَنْ نجح وفشل مَنْ فشل ، هل كان هذا صحيحاً ؟! بالتأكيد كلّا ، ما قيمة النجاح بلا أدنى معرفة ومعلومة ، أكثرهم لم يعرفوا كتابة حتى أسمائهم بالشكل الصحيح إملائيا ،وما فائدة النجاح المستمر والمعدّلات العالية جداً بلا أي معلومات ترفع من مستواهم العلمي والمعرفي ؟!
أغلب الطلّاب الذين وصلوا إلى الجامعات خلال هاتين السنتين وبالمعدّلات الهائلة لم يستطيعوا فكّ الخط بالشكل الصحيح ، يخطئون إملائيا، واغلب الذين تخرّجوا من الجامعات منذ سنوات ولحد الآن اقتعدوا الرصيف بلا عمل ، وأن هناك من التلاميذ لم يعرف أي شيء !!
حين تخرّج ابني في الجامعة هذا العام جاءني قائلاً :ــ ها قد حصلت على الشهادة الجامعية الثانية ( دبلوم ، بكالوريوس )أريدك أن تجد لي عملاً أو تعييناً لأستفيد من شهادتي في الأقل ، وقفت أمامه صامتاً وحائراً والدموع تغسل وجنتيّ ، بماذا أجيبه ؟! والبلاد لا يسودها غير الفاسدين المتحاصصين اللامبالين بها وبناسها للأسف !! وهاهو الآن يشتغل حارساً بشكل مؤقت ، شاب في ريعان الشباب بعد أن درس وتعب واجتهد وحصل على شهادتين جامعيتين يقضي ليله ساهراً يحرس بيتاً ما ، ونهاره نائماً من شدّة التعب ، أيعقل هذا ؟! وأنا على يقين تام أن الكثير جدا من أبنائنا على شاكلته !!
لهذا أقول :ــ إذا بقي الحال كما هو عليه ، تردٍّ وخراب في التربية والتعليم بكل أشكالها ، ومحاصصة مقيتة ومصالح حزبية وفئوية ضيّقة في التعيينات وغيرها ، واستشراء فساد لا أول له ولا آخر ، لن ينصلح حال البلد أبدا ، بل سيمضي من سيءٍ إلى أسوء ومن تردٍّ إلى أكثر تردياً وخرابا!!