الغرق مع أسماك ستغير رأيها على اليابسة
(قراءة في ديوان الشاعر العراقي حسين المخزومي)
بقلم سعد عودة
ما الشعر إلا محاولة يائسة
لحبس غيمة خلف نافذة
...
هكذا يجب أن ندخل الى عوالم حسين المخزومي رغم أنهُ لا يغير رأيهُ أو أسلوبهُ في كتابة نص محمّل بتراكيب الحياة اليومية بعد أن يعجنها برؤى حسية يمكن للقارئ تلمسها مع كل جملة كما تغير الأسماك رأيها على اليابسة، اليومي المرتعش بأحاسيس مرتبكة وربما مختلة هو ما يصدرهُ نص المخزومي نحونا لنشعر بدهشة الحركة الحسية داخل النص وكأننا نراود الشاعر عن مشاعرهِ في لحظة الكتابة ونصبح جزء مهم من هذه اللحظة، حسين المخزومي يتخلى عن وهم الشعر ليلتصق بواقعهِ بعد أن يؤول هذا الواقع بطريقة مدهشة، لهذا كل نصوصهِ تكون موجهة بشكل قصدي نحو كائن أخر، الحبيبة، الأم، الأخ، الصديق....
ولهذا يشتغل نص المخزومي بين منطقتي السرد والمسرح معتمداً لغة حسية تنقذ النص دائما وتدفعه نحو الشعر
نجلس صامتين
أنت تفكرين بالكلمات التي لن تذهب أبعد من الطاولة
وافكر أنا بالنصوص الرديئة التي كتبتها عنك
هكذا يدخلنا المخزومي الى نصهِ، في حالة من الثبات السردي والحركة الشعرية، نحن أمام مشهد شعري خالص بسيميائية سردية تدفعنا نحو الحدث، المكان، بل حتى اللغة التي لا تنزاح كثيرا بل تحاول أن تؤول الحدث وتصنع لهُ أفقاً جديداً يمنحنا تساؤلات جادة ويغرقنا بتفكير حقيقي رغم أنهُ لا يذهب بعيدا عن اشياءهِ الخاصة وواقعه المعاش
أيها النهر
لماذا أسرفت بالماء عليه
لم يكن أخي سمكة الى هذا الحد
هكذا يحول المخزومي اوجاعهُ الى تساؤلات تستنطق كل شيء، الماء والشجر، الشوارع والجدران، النوافذ والغيم، ولكنهُ ليس استنطاقاً غيبياً او فلسفياً بل هو استنطاق معرفي مقصود ومحمّل بثقل المشاعر المتصادمة داخل الشاعر والتي تصبح مشاعر القارئ في لحظة التناول...
العنونة في قصائد المخزومي كانت مداخل حقيقية للنص وتحمل من الشاعرية ما يجعلها تمهيد حقيقي للدخول الى عوالم النص الشعري، لهذا سيحتاج القارئ الى وقفة قصيرة عندها قبل الرحيل في عوالم النص، هذا ايضا عامل مهم من ثيمة الإدهاش التي سيشعر بها القارئ طوال قراءتهِ لهذا الديوان....
واحدة من ميزات ديوان المخزومي هو أنهُ لا ينتمي لجيل محدد، ويضع بصمات متفردة معلناً عن جيل جديد في قصيدة النثر، هذا الجيل ليس منقطعاً عن الأجيال السابقة فملامح النص التسعيني يبدو واضحاً في نصوص المخزومي لكنها تبقى ملامح فقط وتبقى هيكلية النص خارج الانتماء، ايضا هناك تأثيرات لنصوص ما بعد 2003 قد نجد لها مساحة في نصوص المخزومي لكن في نصوص محددة سريعا ما سيخرج عن هذا التأثير لينتج نصاً خارج الحسابات...
من هنا أجد أن ديوان المخزومي من اكثر الدواوين الذي يمثل هذهِ المرحلة بل أنهُ يضع بصمة حقيقية لصناعة نص مختلف يمكن دراستهُ وتناولهُ نقدياً كنص يمثل هذه المرحلة ويجب أن لا ننسى أن هذا الديوان الأول للشاعر لكنه يؤسس لمرحلة قادمة مختلفة ومثيرة، ربما ستعيد لنا وهج قصيدة النثر وتعيد الشعر الى الشارع بعد أن دفعهُ المرموزون والمتأولون بعيدا عن الحياة....