recent
أخبار ساخنة

قراءة في مجموعة " بيت العنكبوت " القصصية للقاص :-عبد الحسين رشيد العبيدي / بقلم باسل صادق

قراءة في مجموعة " بيت العنكبوت " القصصية للقاص :-
عبد الحسين رشيد العبيدي

البحث عن الذات في عهود الذوات
    ان مفهوم القصة القصيرة بالنسبة الى القاص عبد الحسين رشيد العبيدي هي الحكاية التقليدية فهو لا يخرج عن مدارها ولا يولج في المسارب نيازكها بل هو يعلي صوت الحوار فيها ويوقظ كائنات مجاهلها فالحوارات واضحة لشخصيات تتقن اللغة فاللغة ايضا وسيلة دفاعية لمجتمع بات أفراده يمارسون الخربشة على الجدران. فهم يحفظون ما يكتبون ولا يقبضون سوى التأجيل ودائما ما يكون التاجيل سببا للتضييع. او لا يكفي هذا ان يمني الانسان نفسه بالأمل بدلا من أن يصدق بالاخر المتورم بالأصوات، المتكبر، المخادع. ثم الا يكفي الانسان أن يستلهم من المكان ما يشعره بالانتماء كفرد ويمده بالعمق كمجتمع.
   بالنسبة الى القاص عبد الحسين العبيدي فان المكان يعني المدينة التي ينشأ فيها الانسان ويرث منها الكتب والاساطير. والمكان الذي نشأ فيه الانسان ليس فقط منهال المعرفة فهو أيضا مكان لجلد الذات ثم اعادة تقييم ليس للذات بل اعادة تقييم لعملية الجلد تلك واعادة تلقيم ليس للسلاح الذي قد استخدم للجلد بل اعادة التلقيم لوسيلة الدفاع لتلك الذات المعنفة والمقسورة تمهيدا لعودتها الى المكان والى روحية المكان الثيوقراطي من بعد كل ذلك الاقصاء والتهميش. والى ان تتم العودة الى الوطن يبقى الشعور بالظلم هو الألم الأبدي. وصحيح أن الألم قد نشأ في المكان الا أنه نشب في الروح وأقام وجاره في الذات المنتهكة.
   وعندكا نستعيد المكان ونكهة المكان فاننا نستحضر منه الألم . وكلما تم استحضار الألم كلما حفز في الراوي التفاني في العدالة، وقد لا يتم الحديث كثيرا عن العدالة قدر التمعن في التقييم أي تقييم الأفعال. وان التقييم هو من هموم المتلقي ومن شواغل المسرود له. وقد يوصف الألم بأنه المحفز لتصاعد الأحداث حتى بات الرواة والساردون يعتقدون ان التصديق بأحقية المتألم هي بديهية وتثير المشاعر الجياشة والعنفوان كما أثارت الشجن . وكما أن للمكان قدمه وقدسيته فكذلك مكانة الألم فالألم يتبع المكان في التقديس. وهنا لم يشر الكاتب الى وجود الأسطورة في حكايته لكنه يستعين بالرموز الثابتة الازلية كالخبز رمز الشرف. الحصان رمز التوثب والتحرر. الشراب رمز التواصل مع السماء. الشمس رمز الدم والتضحية في سبيل الانعتاق. وانه لا يأتي بالرمز بصورته القديمة بل بصورته المتطورة التي وصل الرمز اليها الان. اذا لا تفرق كتابة عبد الحسين رشيد العبيدي عن كتابة كل الحكائين فهو لا يأتي بقانون جديد في عالم القصة فالخطاب هو نفسه الموجه من الراوي الى المتلقي. اذاً نقول في الشخصيات يبقى الطرف الاخر داخل القصة الذي يسكن عالم الظلام محروماً من حضوة الامتثال الايجابي في القصة فهو بعيد ويثير كل من الراوي والسارد اليه اشارات كانه في عالم اخر. عالم مليء بالجهل ذلك لأن تلك الشخصية السلبية في الحقيقة وفي العالم الواقعي لا تريد المشاركة وانما تريد الاستئثار بالثروة لوحدها. وهذه هي مشكلة الشخصية المشحونة بالشر. الفكرة الأصلية هي أن الخبث يجب أن يحبس في الظلام وهذه الفكرة موجودة لدى كل انسان بالنسبة الى مفهوم الشخصية المشحونة بالشر اذ أن كل انسان ينشد الأمن ولا ينبغي له أن يعتدي ان الظلم رغم انتشاره لشيء غريب ويجب مواجهته والاستمكان منه والمطاولة والاجهاز عليه .
   ومن أسوأ الصفات هي ماتنتجه التصرفات ذلك أن ساكن الظلام يستخدم الية لا سلاحاً وتلك الالية هي اتخاذ الخصم طرفاً ثالثاً يكون الضحية اما المسيطر فهو الذي تتم تسميته ثم تأليبه ليقوم بدوره في جلد جسد وروح المدان مع التوبيخ المستمر والخنق المتصاعد وبذلك فان الضحية تكتسب الوجع نتيجة الضغط الذي لا يزول ويكتب كلاً من الطرفين الاخرين المشاغب الذي اتخذ الضحية والزبون الذي هو صاحب السلطة يكتسبان صفات الاستحواذ حتى تصبح لديهما كالملكة وذلك هو المرض. فالأمر ليس سيادة وانما هو الخداع والتخريب هو ما يفعله المشاغب أي الشخصية الممالئة الى لصوص كل عصر.
   يتعدد المشاغب ويتكاثر كتكاثر البؤرة المرضية. لكن مثل هؤلاء المسخ لا يجرؤون على الانقلاب على صاحب السلطة المستحوذ المزاحم. وبدلاً من ذلك فانهم يتملقونه وهؤلاء المتملقون لاهم لهم ليل نهار سوى النميمة ضد الأبرياء والتذلل والخضوع للمستحوذ. وبذلك فان المستحوذ يستمكن في منصبه ذاك كزعيم اوحد في بلاد شوارعها جميعاً تؤدي الى السجون والمخائس. اذ قد تحول التملق في حكومته الى البديل عن الشرعية أما الشعب فهو سلعة رخيصة يبيع ويستنفد منها من الجمهور الفرادى ويستنفر الولادات.
   لذلك فان القاص عبد الحسين رشيد العبيدي لا يبتعد عن المجتمع يبقى بين أفراده يشعر به ويتفاعل معه وينفعل به ويتحدث عنه عن الاغواءات، الدسائس ،الأخطاء، المزاج. التناقضات ،الفضيلة... يترك للصفة معناها لا يقول عن الأخطاء بأنها تسببت في السوء ولا يقول عن الايمان بأنه أدى بالامل على حصوله صك دخول الجنة متى ماشاء حتى أنه قد يمنح لكل شخصية صفات معدودة ولا يزحمها بافراط. شخصياته سليمة من تناذر الصفات . سمات الانسان معروفة لكن لو تزاحمت في شخصية واحدة سمات كثيرة فانها قد تتنافر. لكل مرض دواء. و لكل داء دواء . لكن الدواء يعطى بعد حدوث المرض.
   فهل للقاص وصفة أخرى للمعاناة التي نحن فيها.؟ ان القاص في قصصه يعطينا خطوطاً لمخطط القنبلة التي انفجرت فينا . وهو يدري بأنها يمكن أن تنفجر فينا من جديد لكنه لا يعطي حلاً ما انه فقط يقول لك عليك أن تأخذ حذرك فللقنابل سبلاً فاتخذ لك أيها الانسان سبيلاً غير سبيل القنابل والرصاص. اتبع شاعراً لأن الشاعر قائد حقيقي يهدي روحك ولا يعقد على رقبتك . يربط على قلبك ولا يفل منك أحلامك كبشري تستلذ بفاكهة الأرض. يدعك تستنشق الهواء النقي ما شئت ولا يخونك في غيبتك ولا يسرقك حبيبتك. اما المراة فهي ليست غائبة في قصصه بل قد تبدو مغيبة فهو لايني يبحث عنها ليس كالمجنون فهو في حاجة الى العقل للبحث عن الحبيبة وعندما يجدها عند ذاك فان القاص سيكتب لنا قصة عن الحب عنوانها الصدق.
   يريد القاص عبد الحسين رشيد العبيدي ان يثبت لنا بأن التضامن الانساني هو الذي يخلق الأواصر للنسيج المجتمعي وليس فقط التنافس. ان الطفل عندما يلعب فانه يتضامن أكثر من كونه يتنافس. وان ليس هناك ما يدعو لأن يكون المجتمع في خدمة السلطة وان الأفراد ليسوا في حاجة الى أن ينخرطوا كاتباع للسلطان من أجل ضمان حياتهم ولقمة عيشهم. وببساطة فان الخداع والخيانة والفساد هي أشياء ليست من صميم المجتمع ولا تأتي من أفراده لكنها أشياء طارئة ودخيلة على المجتمع وهي سلوكيات غريبة وينبغي فضح مستورديها.

تم نشر المقالة في جريدة طريق الشعب ٢٠١٦م العدد 81

باسل صادق
google-playkhamsatmostaqltradent