_________________
كنت صغيرا
عندما ولدت الحرب الأولى ..
كنت استمتع بصافرات الإنذار
وأُصفق كلّما مرت طائرة ..
أو تراقصت النوافذ من شدّة الانفجار
كنت أتصور أننا في حفل للألعاب النارية ..
وأن الصافرات لقطارات قادمة تحمل ألعاباً سحرية
وأن الطائرات فراشات تلهو في السّماء ..
وأن النوافذ .. ترقص فرحاً بهلال العيد
الذي تناثر مع زجاجها
وأن بيانات الحرب التي ينبح بها التلفاز مع ضربات الطبول ..
هي أنباء عن قدوم العيد السّعيد
لكن بصوت يعاني من السّعال
كنت أحفظ الأناشيد كالبّبغاء
ليس حباً بما يسمّونه حينذاك : الوطن الأكبر
بل لأتجنب عصا مديرة المدرسة
وعيون أبي التي تراقبني من صوره المعلقة على كل جدار في الدّار
وعلى كتفيه تناثرت النّجوم والصّقور والسّيوف
وتدلَّت على صدره الأوسمة والمداليات
حتى ظننت أنه عدّاء .. في الأولمبياد
وكنت ...
أزور مع جدي مجالس عزاء الذين غابوا في بئر الحرب
لكي أتعلّم فنّ الرّجولة – كما يقول جدي –
وأتقن حبس الدموع البيض ..
حتى لو كان الفقيد أبي !
وكنتُ
أمتلك ترسانة كبيرة من الألعاب ..
مسدسات.. دبابات .. بنادق ..مدرعات ..
وخوذة
واسعة جداً
جلبها لي أبي من ساحة الحرب
تحجب الشمس ..وتصيبني بالصداع
كلّما وضعتها على رأسي
لأجرب لعبة الحرب مع أخوتي
وكانت
الخوذة تكبر يوميا
وحجم رأسي يصغر .. يصغر
يصغر..
....
....
بعد عقود من الزمن
زارني الموت
فلم يجدني
ووجد خوذة كبيرة جدا
فشطرها إلى نصفين
ومضى ........
احمد جارالله ياسين / العراق