""ولِدتُ كُرهاً""
حين حدثتنّي أمي عن ولادتي ،
ادركتُ بأنني جُئتُ كرهاً الى الحياة ،
فما بال ذلك العويل لمولودٍ أنكشف عنه حجاب الرُحم ؟
أليس من الأفضل أن اكون فرحاً مستنداً
على الأرضِ بدلاً من الأنحناء داخل جوفٍ مُظلم كــ قبةَ جامع ، تكتظُ بما هو طاهراً ، وعندما يهوي بالخروج ، يهبُ سائلاً وبعضه ملتوياً شنيع الرائحة منه ما يُسري به الى جوف الأرض حتى لا يُدنّس المتنجسين ،
وبعضهُ يكون سماداً ليُدنّس ما يأكلهُ التّوابون...
مالي جُئتُ باكياً ؟
أليس من الأجدر أن اكون متشوقاً
لمعانقة وكب البول في نشوةً مصحوبتاً بأبتسامة الخجل في حضن والدي ،
إلا انني كنتُ محروماً ، لأن النهار وقت الفقراء والبائسين ،
فأبي طالما غاب عن ناظري في مثل هذا الوقت
لتوفير لقمة العيش.
فــ ارّجح أملي في الليل ولا اعلم انه وقت خمودي ،
فأنتضره طويلاً لتحقيق هذه الرغبة ،
إلا انني علمتُ انه لا وقت لديه لهذه ،
حين سمعته مرةً عندما فززت صارخاً من منامي وهو يزجر و يصرخ بوالدتي ويأمرها أن تُسكتّني ، فتذهب بي بعيداً عنه ، وتزجرني هي بدورها بما يخيفني ويروعنّي
(نام اجه الواوي) (انغمد.....نام)...
ما ولدتُ لأكون حراً ،
طالما ولدتُ بدماءٍ أجبرت أبي أن يكون حمالاً في النهار وحارسٌ في الليل من اجل أن يكسب ثمناً (لمعلاگ خروف ) يعوض ما فقدته امي من ذلك السائل اللعين..
ولدتُ ذكراً لأكون منسياً ،
لا يعرفني احد !
حتى أمي تكاد تنساني بقماطي المطرز بسبعة عيونٌ لولا منبه ثدييها ،
لتخفيني عن اعيّن جاراتنا ،
اللواتي لم يلِدنَّ ذكوراً ،
فزيارتهن لم تكن بأسم الله كما عهدتها امي عند ولادة اختي مريم..
والدتي تخفيني عن الناس
وابي يكنى بأبي (مريم)
فمن يكون صارخاً عندما يضعني احداً بتابوتي ؟ واخراً يشدني على ضهر مركبته صارخاً ( اريدُ بطانية ) وتأتية احدى المعزيات بواحدةً حمراء كـُتب عليها احبك.
ما فعله ابواي كان خطأً ،
فأنا لم اعد احمل الذهاب الى اي عزاءٍ
خوفاً من سماع منافسة اللطم بين النساء ،
فــ ليس لأبي من اخوات كُثر سوى واحدة لا صلة لها بالرحم
لتندب ( عمتك رادتك تذكار للخوة)
وأمي لديها الكثير من الأخوات
ألا انني لا احُب واحدةً منهن ،
واحدةً لم اراها قط
واخرى مريضةً وضريرة العينين
وأخرى عادةً ما تسأل
ورابعتهن تُفرّق حبها بين اولاد اخواتها
ونحن اقل حصةً بينهما
وآخرهن لم تزوجني ابنتها.
لا اتوقع منهن ( لخالاته لـتسدن درب خلّلنْه نلعب جوله )
كان أملي أن يصرخن جاراتي ( اليوم اعرض يوم الجورة)
إلا إن قماط امي افسد كل شيئ..
اذا كنتُ قد ولدتُ فــ لماذا اموت؟؟
انتهى الحديث ،
وشاهدت والدتي تهذي مع نفسها وتبكي
وحين سألتها عن سبب البكاء
اجابتني
جرحُ ولادتك ما زال يؤلمني...
عدنان جمعة