_ كتبت قصيدة النثر ، لإحساسي بأنها المتمردة دائما على السائد المألوف في كل شيء .
_ مربد البصرة رغم كلّ ماله وما عليه يُعتبر نافذة ضوء وهّاج وشعاع إبداع .
الشاعر عبد السادة البصري : لم يكن المشهد الثقافي العراقي متوهجاً مثل ما نراه الآن ، رغم ما يشوبه من مطبّات وعثرات ونقاط ضعف
حاوره : قاسم وداي الربيعي
انتظرته طويلا وأنا أتصفح تاريخه الشعري والإنساني الذي أقرأه في تقاسيم وجه الممتلئ بتراث البصرة , البصرة التي شغلت الشعراء والباحثين , فلم يكن عبد السادة البصري بالشاعر العادي بل كان تجربة شعرية ساحرة تستحق الوقوف , لهذا تراني وضعته ضمن جدول حواراتي وان تأخرت عليه كثيرا فكان بسبب زحام المواعيد مع الأدباء , وإلا الخوض مع التجارب الشعرية البصرية لها طعم الشعر والإبداع , وكيف لا وهي من منحت شارعنا الثقافي بأسماء ملأت الساحة العربية , وأصبحت هي النافذة التي نطل من خلالها على عوالم الحداثة وما بعد الحداثة , ضيفنا البصري جمع كل هذا وكان خير وريث لمبدعي البصرة , كتب الشعر دون ضجيج وكتم أنفاسه ليطل علينا بنصوص مدهشة تجعل القارئ والمتتبع يشعر بعذوبة النص النثري , له تجربة تكاد تكون مختلفة عن الآخرين فهو يجمع الجمال كله وينقلنا إلى عوالم أسلافه بدوائر مشرعة الذاكرة , يهرب كثيرا إلى المراكب والنخل وشط العرب والملح والفاو والأم ومتاعب الوالد وكفاح العيش في أرصفة الموانيء ليسجلها على هيأة لوحات كأنها وجه البصرة الأسمر , فأجاد وأبدع , فسجّل له الحضور المميز وسط شعراء العراق والوطن العربي , البصري قبل أن أختم مقدمتي عليّ أن أقف عند إنسانيته وعلاقاته مع الأدباء فقد عُرف عنه ذلك الطيّب والحبيب , يُحبّه كل من يعرفه وله قلب يسع الجميع فكان محطتنا التي نخلع فيها همومنا , ويسري في أوردتنا معنى الصدق والإنسانية , وتلك هي هوية الشاعر حين يمتهن الكلمة ويبني منها منصة من الأبجديات ..
وقبل الخوض في تجربة البصري وما يكتم عليه من سيرة عذبة لنقف مع بعض تجربته , ومن هو عبد السادة الأسمر الأنيق , كيف بدأ , ماذا يعني له الشعر , وأسئلة كثيرة وسياحة ممتعة .
عبد السادة البصري شاعر وكاتب وإعلامي مواليد/ الفاو 1961/ البصرة , بكالوريوس فنون جميلة/ مسرح , يكتب في أبواب/ الشعر،النقد، الرواية ،المسرح،الصحافة والإعلام
صدرت له الكتب التالية:ـ
لاشيء لنا /شعر /عمّان , تضاريس / شعر/ البصرة , أصفى من البياض / شعر/ البصرة/ 2008 , هكذا دائما / شعر /دمشق ـ /2012 , لم أستعر وجهاً / شعر /بغداد ــ دار الشؤون الثقافية /2015 , المعنيّ أكثر منّي / شعر / المغرب / 2015 , المعنيّ أكثر مني / شعر / القاهرة ، دمشق، بابل ــ المركز الثقافي للطباعة والنشر / 2016 , أصفى من البياض / شعر / 2018 / السويد ،، عن دار ميزر , غرقى ...ويقتلنا الظمأ / شعر/ 2018 , على مقربة منكم / قراءات في الشعر والسرد والمسرح ــ نقد / دمشق / 2019 , عزف جنوبي لنايات شمالية /قراءة نقدية في الشعر الكردي المعاصر/ مديرية الثقافة الكردية ــ وزارة الثقافة والسياحة والآثار/ 2019 , لا .. كما نريد / شعر / 2020 - دمشق للريح ... تركنا قمصاننا / شعر / 2021 / دار وتريات في بابل
لديه العديد من المخطوطات ( دواوين شعرية / كتب نقدية في الشعر العراقي المعاصر، القصة والرواية،الأدب السرياني/ مسرحيات / رواية (مخطوطة).
ــ عضو المجلس المركزي للاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق
عضو اتحاد الأدباء والكتاب العرب
عضو النقابة الوطنية للصحفيين العراقيين
عضو اتحاد الإذاعيين والتلفزيونيين في العراق
عضو نقابة الفنانين في العراق
رئيس ملتقى جيكور الثقافي
عضو لجنة عليا وتحضيرية لمهرجان المربد الشعري منذ عام 2004 وما يزال.
ــ بدأ كتابة الشعر في منتصف السبعينات من القرن الماضي ونشر أولى قصائده عام1979 في دولة الكويت..اصدر مع عدد من زملائه الشعراء مجموعات مشتركة في البصرة بطريقة أدب الاستنساخ (4 مجموعات..للاعوام1997،1996،1995،1991)
له العديد من المقالات النقدية والتحقيقات الثقافية في صحف ومجلات عراقية وعربية ،،إضافة إلى مساهماته في العديد من الكتب الشعرية والنقدية المشتركة والانطولوجيا الشعرية
ــ شارك في جميع المهرجانات التي أقيمت داخل العراق وكذلك عدد من المهرجانات خارج العراق.
ــ ترجمت عدد من قصائده إلى البلغارية ،، الفارسية ،، الانكليزية ،، البرازيلية ،، الكردية ،، والاسبانية ،،، والبرتغالية ،،، السريانية ..وغيرها.
ــ درست قصائده في العديد من رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه ضمن نماذج من الشعر العراقي المعاصر داخل وخارج العراق.
ــ نوقشت رسالة ماجستير حول السسيولوجيا وتأثيراتها في شعره في إيران / وحاليا قيد التحضير لمناقشة رسالة ماجستير أخرى حول تأثيرات البيئة في شعره في إيران أيضا.
ــ تعرض إلى الاعتقال والسجن في زمن النظام المقبور أكثر من مرّة .
يعمل في حقل الإعلام ( مدير قسم الإعلام والعلاقات العامة في شركة البتروكيمياويات )
ــ البداية والتجربة الشعرية
لم تكن البداية سهلةً ، إنها بداية فتىً ريفيٍّ يعيش في قريةٍ بأقصى جنوب القلب العراقي ، تلبّسه هاجس القراءة والبحث عن الوعي والمعرفة منذ بواكير سنواته الغضّة ، ليبدأ خوض تجارب حياتية صعبة في بادئ الأمر لفقر الحال ، مع توجّهات أبيه عامل الميناء اليساري صوب القراءات الحقيقية للفكر والمعرفة الصحيحين جداً ، لهذا سلكتُ سبيل البحث عن الحقيقة دائماً راسماً لوحات محبّة وتفاؤل في كل لحظة !
تمخّضت رحلة البحث هذه عن كلماتٍ وجملٍ رحتُ أسطّرها على الورق وأنا في سنوات الابتدائية ، حتى صرت أكتب مقاطع من الشعر الشعبي ، وأشارك في مسابقات الخطابة لأحرز المرتبة الأولى في قضاء الفاو أوائل السبعينات من القرن المنصرم ،في المتوسطة جرّبت الكتابة بالفصحى على شكل خواطر بادئ الأمر ، وعند امتلاكي ناصية الوزن بعد دراسته بشكل وافر شخصيا وبمساعدة بعض الأساتذة لي صرت أكتب الشعر العمودي ثم التفعيلة وصولاً إلى قصيدة النثر ، لإحساسي بأنها المتمردة دائما على السائد المألوف في كل شيء ، وإنها التي تجعلك تحلّق في سماوات الرؤيا والخيال وتسيح في رحلات هنا وهناك رغم أنها الآن مبتلاة وتعاني من كل مَنْ هبّ ودبّ ممن لا يعرفون حقيقتها أبدا ،، وهكذا تستمر التجربة ،،،،
ــــ متى كتبت الشعر وعشقت الطلع ، وأنت الحرف الأنيق وذاكرة الملح ؟!
بعد التجارب المتلكّئة والمترددة والمرتجفة بدأت أعي مسؤولية الكتابة جيداً ، لأكتب قصيدة ثم أخرى وأخرى ، وتحديداً بدأت كتابة الشعر عام 1974 ، لكنني لم أكن مقتنعاً بما أكتب حينها ، وفي عام 1979 نُشرتْ لي أولى قصائدي من خلال إذاعتها في برنامج الظهيرة من إذاعة دولة الكويت ،كانت بعنوان ( هناك عند الساقية )، لتكون حافزاً ومشجّعاً لي في الخوض بهذا المضمار أكثر وأعمق ،، رحتُ أقرأ كل ما يقع تحت يدي من كتب ومجلات أكثر أيضاً ، أكتب وانشر بعض كتاباتي في مجلات كويتية ولبنانية ( عبر البريد العادي طبعا ) ، حيث نشرتُ في مجلات ( اليقظة والنهضة والرسالة والعربي ) الكويتية وفي مجلة ( ألوان ) اللبنانية ،ثم في الصحف والمجلات العراقية ، وعند اشتعال الحرب العراقية الإيرانية اللا معنى لها سوى سفك الدماء والخراب والدمار لكلا البلدين نزحنا قسراً من قريتنا في جنوب الجنوب ( ناحية الخليج العربي في قضاء الفاو )لأبقى نازحاً لحد هذه اللحظة ، مات أبي على اثر نزوحنا القسري بعد أيام من هَجْرِنا البيت ، هذان الحدثان ( نزوحنا وموت أبي ) أحدثا شرخاً كبيراً في روحي واعتقد انهما السبب في تغيّر مسار حياتي بالكامل ، فصرتُ أكتب بكثرة وبقسوة على نفسي لاعناً الحروب والموت ،كانت وقتها قصائدي سوداوية ومأساوية جداً ، لم أنشر منها سوى القليل لكنني صرت أعيش الذكريات وكأنني في حالة اغتراب دائم وما أزال حيث الذاكرة امتلأت وتمتلئ كل يوم بأحداث وحكايات في شتى مجالات الحياة ، ما أن أكملت دراستي الجامعية حتى سيقَ بي إلى العسكرية كأي خشبة ترمى في أتون محرقة ، أصبت في إحدى المعارك برأسي ليضعف بصري وسمعي وتتأثر قدمي !!
لم تنته الحرب بعدُ ، اعتقلوني عام 1987 لأُحتجز أولاً ضمن المشمولين بالتحقيق المشترك من قبل المخابرات والأمن والحزب ، ثم الإعدام ، لم أعدم بل أحالوني إلى المحكمة العسكرية فحُكِمتُ حينها بالإعدام أولاً ثم كسروا القرار حسب قولهم لأُسجن سنة كاملة ، سنواتٌ من الحرمان والحروب والتشرّد والتعذيب والسجن أفرزت عندي قصائد كثيرة مشبّعة برائحة الحنين إلى الطلع والنخل والملح والحرية والفرح !!
اشتركت مع زملائي ( كريم جخيور ، عبد الرزاق صالح ،علي نوير ، عزيز داخل ) بإصدار منشور مشترك عام 1991 ، وتم اعتقالنا عام 1992 حيث ساقونا إلى سجن الرضوانية سيّء الصيت لنقبع بين سجون ( الرضوانية ، الانبار ، الأمن العام ، الرشيد سجن رقم واحد ) سنة كاملة ذقنا بها أصناف التعذيب والهوان والخوف والقلق والموت في كل لحظة ، بعد خروجي من الاعتقال أواخر عام 1993 قمت ومجموعة من زملائي الشعراء بإصدار مجموعات شعرية مشتركة بطريقة أدب الاستنساخ وهم ( عبد الرزاق صالح ، عبد الكريم العامري ، خضر حسن خلف )للأعوام ( 1995 ، 1996 ، 1997 )وصلت نسخٌ منها إلى مصر والمغرب وتونس والخليج العربي وفلسطين والأردن ، وكتب عنها الكثير هناك !!
مع الشعر عملت في الصحافة والإعلام والمسرح منذ سنوات وما أزال اعمل لحد هذه اللحظة .
ــــــ كيف يجد البصري المشهد الثقافي الآن ؟!
لم يكن المشهد الثقافي العراقي متوهجاً مثل ما نراه الآن ، رغم ما يشوبه من مطبّات وعثرات ونقاط ضعف وظلام بسبب التشابك والازدواج وتخبّط بعض المدّعين الذين دخلوا المشهد عرضياً ، حيث نجد الشعر مبتلى بأنواع وأشكال الكتابات التي لم تمت إليه بصلة وتحديداً قصيدة النثر التي ابتليت بنا كثيراً ، أما العمودي فتجد بعضهم يكتب سجعاً ونظماً غير موزون ويدّعيه شعراً متناسين أن الشعرَ فكرٌ ورؤية وخيال خلّاق وصور ، كذلك شعر التفعيلة أيضا !!
أما الرواية فيا لكثرة مَنْ يجوسون بأرضها ، يكتبون حكايات كأنها (سواليف الجدّات ) متناسين أننا في عصر ازدهار الرواية الخلّاقة التي تجعلنا نحلّق عالياً ونتوه معها في فضاءات ودهاليز من الأفكار والرؤى والخيالات ،فالقاص لم يلب أن نشر مجموعة قصصية واحدة أو قصتين هنا وهناك حتى خرج علينا برواية وأخرى وهكذا،،،
لكنني أقول أن المشهد الثقافي بتعدد هذه المسارب والأهواء والكتابات ورغم غثّها وسمينها أراه مشهداً زاهيا ومزدهرا ويبشّر بألف خير رغم ما مرّ ويمرّ فيه البلد من خيبات وخراب بسبب فساد سياسيي الصدفة سارقي الكحل من عيون الصبايا !!
ـــ الأم ، النخل ، الفقر ، قضبان السجن وأزمنة القحط ، هل هي هاجسك الشعري أم أنك ترقص على ذاكرة ملوّنة كما يبدو من بعض نصوصك ؟!
مَنْ لا يحمل في ذاكرته من تجاربه الحياتية شيئاً لم يعش أبدا !!
ومَنْ لا يكتب عن كل ما يدور حوله وما يعانيه لم يكن أنساناً حقا !!
فالبيئة والحياة بكل إشكالهما وصورهما وتجاربهما وما فيهما من حلوٍ ومرٍ هما مَنْ يمنحك تأشيرات دخول إلى عالم الإبداع حتما ، فكيف بي وأنا ابن الماء والبحر والنخيل وشريط حياتي ذكرت لك منه الشيء القليل جدا !!
نعم أنا أعزف وأرقص على ذاكرة ملونة ومزدانة ومشحونة بالكثير الكثير من الصور والحكايات ، فيها المأساوي والمفرح والمبكي والمضحك والمغامرة وما إلى ذلك !!
هاجس يسكنني دائما متلوّن الأشكال ومختلف الأحجام ، مرّات أكتبه شعراً وأخرى حكايات ومقالات وأغانٍ !!
ـــ هناك ثقافة متنوعة يشهدها الشارع الثقافي البصري ، أين تضع المشهد الشعري وسط زحام هذا التنوع ؟!
التنوّع في كل شيء عافية وخير ، لكن علينا أن نعي الجيد والمفيد والمغاير الحقيقي فيه ، كي نخرج بحصيلة ناجحة ، والمشهد الشعري في البصرة حاله حال العراقي بشكل عام ، لأن الجميع يمرّون بنفس الأوضاع الحياتية الخربة ، وما يعانونه من خراب في الأماكن والخدمات والنفوس !!
لكن مع ذلك هناك أسماء كبيرة وراسخة كما هناك أسماء شبابية واعدة تحتاج إلى صقل وتهذيب وتشجيع ودعم لتأخذ مسارها الصحيح في خريطة الشعر العراقي الخلّاقة !!
ولا يمكن أن ننسَ بأن البصرة ينبوع عطاء شعري وإبداعي ثرّ في كل زمان !!
ــ النص النثري وظاهرة التسقيط ، حيث يعتبره البعض فوضى شعرية خصوصاً من شعراء القصيدة العمودية ؟!
ذات يوم كتبت في عمودي الأسبوعي في جريدة الدستور مقالة بعنوان ( قصيدة النثر المبتلاة بنا ) وأعدتُ نشرها في البيّنة الجديدة !!
نعم إنها مبتلاة بنا جميعاً ، لأننا لم نفهم شكلها ومضمونها ولغتها وطريقة كتابتها بالمعنى الصحيح ، لهذا رحنا نتخبّط بين الخاطرة والكولاج والنص السردي ، والقصة المموسقة ، متناسين أن لقصيدة النثر ضوابط وشروط لابدّ أن نعرفها ونعيها جيداً ، ولكثرة ما نعلّقه عليها كشمّاعة لما نكتب صارت فوضى كتابية وليست شعرية ،ولا نغفل أن قصيدة العمود مبتلاة أيضاً بالسجّاعين والنظّامين الذين أثقلوا ويثقلون كاهلها بــ ( تسفيط ) كلمات بلا فكرة ولا مضمون ولا رؤية ولا حتى صورة شعرية ، لأن قصيدة العمود شأنها كالنثر والتفعيلة وأكثر تحتاج إلى فكر ورؤية وخيال جامح وصور خلّاقة ،، ولهذا الفوضى في الكتابة الشعرية تعم كل الأشكال والأجناس ( شعراً ونثرا ) !!
ـــ النقد والنقّاد ، والدراسات النقدية التي تكتب لمن لا يستحقّها ، حتى شَعَرَ المبدع بأن النقد اليوم يعيش الاحتضار ويقام على أساس العلاقات ، ترى كيف تجد هذا وأنت الشاعر المميز ؟!
يا صديقي ، في أكثر من مقالٍ ولقاء قلت نحن بحاجة إلى نقّاد حقيقيين ، وجريئين ، وواعين لأدواتهم ومسؤوليتهم النقدية حقاً ، لا أن تأخذهم العلاقات الشخصية والمجاملات والمصالح الخاصة والأهواء ــ سمعتُ أن هناك مَنْ يكتبون مقابل هدايا ومبالغ مالية يفرضونها بأنفسهم للأسف ــ وللأسف الساحة الآن لا تخلو من أشباه النقّاد ولا نقّاد ، لأن النقد موازٍ للشعر والقصة والرواية والمسرحية في الإبداع، هو مَنْ يُسبرُ أعماق النص ويكشف عن مكامنه الفكرية ورؤيته ولغته ومساراته ، لا مَنْ (يطبطب) على أكتاف هذا ويتملّق تلك مقابل شيءٍ ما أو حاجة في نفس يعقوب ، والكلام عن النقد وما نقرأه من مجاملات نقدية لهذه وتلك وذاك وهذا يصيبنا بالغثيان ، لكن الحقَّ يقال هناك نقّاد أثبتوا حضورهم الإبداعي وتميّزهم فيما يكتبون محبتي لهم جميعا !!
ـــ البصرة ومربدها وعالم المهرجانات والدعوات ، تقييمك للمهرجانات العراقية والعربية ؟!
مربد البصرة رغم كلّ ماله وما عليه يُعتبر نافذة ضوء وهّاج وشعاع إبداع في ظلمة ما نعيشه من ارتباك و( خربطة ) في كل مفاصل الحياة ، وكذلك المهرجانات الأخرى علينا أن نشدَّ أزرها مهما كانت السلبيات والايجابيات ، كونها مرايا لتعزيز دور الثقافة بكل أنواعها في زمن يشيح المسؤولون والساسة بوجوههم عن كل ما يمت للثقافة والجمال بصلة ، ولا يريدون لها أن تنهض وتسود لأنها تعرّي وتكشف زيفهم وفسادهم وما آل إليه البلد من خراب !!
المهرجانات جميعها لن تخلو من العلاقات الشخصية والمحاباة و( شيلني وأشيلك ) في بعض الدعوات وهذا ناتج من أنّ بعض الأخوة الأدباء يلحّون ويطلبون التوسّط من آخرين وما إلى ذلك من أمور كي يدعى ، ومَنْ لا تتم دعوته يشتم القائمين على المهرجان ويصفهم بأقذع وأتفه الأوصاف للأسف ، وما بالك في بلدنا آلاف الشعراء والقصاصين والروائيين والنقّاد من كلا الجنسين يرغبون جميعهم بالحضور والمشاركة ؟!
أما الدعوات العربية فبائسة جداً ــ أقصد المهرجانات والملتقيات والمؤتمرات التي تقام في الدول العربية ــ حيث تعتمد على صداقات الفيسبوك دون التمعّن والنظر في أدب وكتابات هذه وذاك ويفرضون منك أن تكون الدعوة على نفقتك الخاصة ، حيث نجد أنصاف بل أرباع المحسوبين على الأدب والإبداع ــ وهناك من لا ناقة له ولا جمل في هذا المضمار بل هو من الغاوين و( على حس الطبل خفن يرجليه ) وباستطاعته الصرف كيفما يريدون ــ نجده يُدعى إلى مصر وتونس والمغرب وسوريا ولبنان وغيرها ويُحتفى به هناك وكأنه ذاك المبدع الخلّاق الكبير ، فيما نجد مبدعين أثبتوا حضورهم في الساحة الثقافية عراقياً وعربياً وحتى عالمياً مركونين على الحائط للأسف .. والسبب علاقات الفيسبوك !!
ـــ المرأة في شعر الشاعر الوسيم والعذب والإنسان عبد السادة البصري ، هل أخذت لها مساحة واسعة ، ومَنْ هي المرأة التي صنعتك وبثت فيك أوردتها ؟!
وهل هناك أفضل من أمّي ؟! أمّي،، أمّي !!
المرأة الملهمة إن لم تأخذ مساحة ونفوذاً في كل ما نقوله ونكتبه ، كيف تنبض قلوبنا بالحياة ، إنها الحب والدفق الحياتي بكل جمالياتها ،هي الأم والأخت والبنت والحبيبة والزوجة والعشيقة والصديقة والزميلة والجارة والجدة والخالة والعمة ووووو الخ !!
إنها أصل الحياة يا صديقي ، ولا توجد حياة بمعناها الصحيح إذا لم توجد أنثى !!
فكيف تكون الكتابة جميلة وتنبض بالحياة والمحبة إذا لم تكن للمرأة مكانة فيها وصورة وصوت ؟!
وستبقى أمي وأمك وأمهات الجميع هنّ اللواتي صنعننا وبثّن في شراييننا الحب والحياة !!
ـــ كثرة المطبوعات وغياب الإبداع للعديد منها ، فهل أنت مع حرية الطبع أم تجد هناك ضرورة للرقابة على ما ينشر في دور النشر العراقية والعربية ؟!
في زمن النظام المقبور كنّا نتحيّن الفرص ونحاول أن نوصل كتاباتنا بأي شكل فكانت ظاهرة (أدب الاستنساخ) التي أصدرنا من خلالها بعض نتاجاتنا ، والسبب معروف للجميع هو الرقابة المقيتة على المطبوعات داخل العراق آنذاك ، لكن بعد سقوط النظام والتغيير الذي كنّا نتمناه خيراً ظهر علينا وبالاً في كل شيء ، فوضى وانفلات وارتباك وخلخلة وتخبّط في كل مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية والإنسانية والأدبية ليكون القبح في الواجهة للأسف ، لكن قد تكون كثرة المطبوعات عافية وخير ، وانفتاح على الجمال ،وأقف هنا لأقول لك للأسف هناك مَنْ استغلّ عدم وجود الخبير وتهافت بعض أصحاب المكتبات الذين حوّلوها إلى دور نشر مهما كان الثمن ليركب الموجة ويجمع كل ما يكتب غثاً أو سمينا لينشره تحت باب الشعر أو القصة أو الرواية .
ـــ أين أنت من جيلك والبصرة هي الشعر والشعراء ومركز الضياء في العالم العربي ؟!
رغم عدم إيماني بكلمة أجيال وفئات عمرية ، لكنني ابن الجيلين الثمانيني والتسعيني ، إذ بدأت النشر في عام 1979 ، وتواصلت بالنشر في الثمانينات ، واشتركت بمجموعات مشتركة ضمن أدب الاستنساخ ،لكنني أصدرت أول كتاب شعري خاص بي ( مجموعة شعرية ) عام 1998 في عمّان عن دار أزمنة !!
ـــ اتحاد الأدباء في البصرة ، عرف عنه بأنشطته المميزة وربما هو المميز عن جميع المحافظات ، هل هناك معوقات تقف في طريقكم ، وما هي إن وجدت ؟!
البصرة منبع ثرٌّ لكل الأفكار والآراء والإبداعات ، زاخرة بأسماء كبيرة ومبدعة لها حضورها وبصمتها الثقافية في الساحتين العراقية والعربية وفي شتى مجالات الإبداع ( الأدب بكل أنواعه ، الفن بكل أشكاله ،الرياضة ، الفكر ، العلم ، وغيرها ) ، اتحادها كما شطّ العرب بمدّه وجزره ، منذ 2003 ولحد هذه اللحظة شعلة وهّاجة من العمل والنشاط رغم بعض التصدعات والتوقفات هنا وهناك ، كثيرة هي المهرجانات والأنشطة أكثر لكنها تحتاج إلى دعم ومؤازرة من الجميع بالإضافة إلى إشاعة روح التسامح والمحبة والتوادد بين الجميع أيضاً ، والابتعاد عن الأنانية والحقد والغلّ والعُقَد النفسية التي خلقت وتخلق الكثير من التباعد وتعكير الأجواء والمصاعب والأزمات للأسف ، وبالتالي إرباك العمل في كل جانب ، بل توقفه تماماً !!!
ـــ رغم كثرة الصحف والقنوات التلفازية وحرّية الرأي إلاّ أن الإعلام لم يكن بمستوى المهنية في تقييم المبدع الحقيقي ، ويكاد يلتزم الصمت مع مبدعينا ؟!
نعم ، وأؤكد على ذلك للأسف ، والسبب هو أن الغالبية ممن يمتلكون هذه القنوات والصحف هم أحزاب وشخصيات متنفّذة همها الإعلام لسياستها وشخصها وما تريده فقط بالإضافة إلى الربح في كل شيء وبأي صورة كانت ، وهم بعيدون كل البعد عن الجمال الحقيقي لروح الإنسان ألا وهو الإبداع بكل أشكاله ( الأدب والفن والموسيقى )تجدهم يعتمدون الفجاجة والضحالة والبرامج الفضفاضة المهلهلة البائسة التي ينفر منها ابسط مشاهد أو متابع !!
ــ الحزن في نصوصك ، هل هو طقس بصري أم أن قواربك تعثّرت في محطّات الصبا وما بعدها ؟!
الحزنُ عصيرُ حياتنا في وطنٍ ألبسنا ثوب الحزن مذ فتحنا أعيننا على الحياة !!
كيف لا يحزن المرء وهو يبصر كل يوم عشرات المآسي وبشتى الأشكال ، الموت المجاني والقتل والإرهاب والفساد والخراب وسوء الخدمات والبطالة وغلاء المعيشة والأزمات المتعددة الأشكال وووو وغيرها !!
لكنني رغم كل شيء أدعو إلى إشاعة روح التسامح والمحبة والسلام والتفاؤل والضحكة والفرح دائما !!
ـــ مَنْ يقرأ على تقاسيم وجهك يجدك ذلك الرجل السعيد والمنتصر ترى ماذا يخبئ البصري بين تجاويف أزمنته ؟!،
لابدّ من ذلك ، لأنك إن أبديت تعاستك وحزنك وبؤسك لن تضير أحداً بشيء
( لا يؤلم الجرح إلاّ من به الألم )، بل ستكون ضعيفا وأقل شأنا بينهم ، وسيبتعد عنك الناس لأن الجميع يتثاقل من رؤية وسماع هذا ، لكن السعادة والانتصار على هذه الأمور وبقوة تجعلك محبوباً ومبدعا وفاتحا للناس كما هم يفتحون القلوب والأذرع !!
وأخيراً أتقدّم لك صديقي الطيّب وللقائمين على هذه المجلة الرائعة ولكل القرّاء والأحبة بخالص شكري وتقديري ومحبتي وأتمنى أن تعم المحبة والسعادة والخير والسلام في كل ربوع وطننا .