recent
أخبار ساخنة

صورة الوطن في سرديات القاص علي العبودي بقلم الاديب ظاهر آل حبيب

كتب الأديب ظاهر ال حبيب  عن مجموعتي القصصية بتاريخ 3شباط 2021:

صورة الوطن في سرديات القاص علي العبودي

صورة الوطن في سرديات القاص علي العبودي
 في المجموعة القصصية القصيره جدا انكسارات الصادرة عن اتحاد الادباء في النجف الاشرف عام ٢٠٢٠ ومن خلال عتبة العنوان إنكسارات الذي يلوح بمدى هول النكبة وتوالد الخسارات المتوالية على ذات القاص الذي تقمص مواجع وطنه وقضايا مواطنيه ليرصد الكم الهائل من الفجيعة والفقد على مساحة اليابسة حيث تكون مسرحا ضاجا بحكايا تعمل على تعميق وعي القارئ بصورة الوطن مثلما عمل السرد في تحقيق وعي الشخصية السردية لزمنيتها وولوجها الفاعل للأحداث وما يرصده القاص في آلية تتابعية خطية للأحداث تمليها الضرورات الفنية والجمالية في كتابة الققج تطالعنا قصة تظاهرات حيث اخذ القاص من تمظهرات الواقع الجاري في المدن العراقية واحداث انتفاضة تشرين ضد الفساد والمحاصصة وغياب العدالة حيث يجد البطل نفسه يتبع صراخ احد المتظاهرين ويزج نفسه وسط التظاهرات (لكني على خطواتي اسير وسط الضجيج والصراخ وتعجبت من رجل مسن وهو يوبخني أين رأسك يا هذا . ) حيث يؤكد القاص عبر تقمصه الشخصية استمرارية التواجد مع التظاهرات لكنه غير قادر على الصراخ فقد تأكد انه فاقد لرأسه وضل يبحث عنه لكي يستمر في مشواره مع المتظاهرين ولكنه لم يجده والى الان يبحث عنه ولعل القاص يشير الى رمزية الفقد وانه يمثل رمزية الشهادة في أن بطل القصة هو احد الشهداء من شبان الانتفاضة الذي هشمة رأسه واحده من الدخانيات ومازال يدور باحث عن اجوبه مقنعه عما حصل وما سيحصل فالشهيد لما يزل متواصل يحضر مع نبض وطنه وصرخات شبابه المتطلع نحو العدالة والكرامة حيث يجعل القاص من دلالة مرموزاته وانعطافاته السردية لحظة تفجير الدهشة إجابات متعددة التأويل تجعل من موضوعة الوطن وقضاياه المصيرية بؤرة تجليات السرد وعمق تشظياته 
ومن قصة الكؤوس نتلمس من القاص الطابع التهكمي من ازدراء البعض ممن يتعاطى شرب الخمور فبطل القصه الذي تعاطى كأسا واحدا وترك الكأسين المتبقيين ليستسلم لحلم سريع وينهض صباحا ليمتطي تجليات الحظوة والحضور والبخت وأن يكون مبارك في كل بقعه يطأها والقصة تتناول حالات المضادة السردية لتكشف الزيف عن ادعاءات وتوصيفات غير حقيقيه من ربط الكرامات بشخوص معروفه باستبطان ظاهراتي مؤدلج وتمنعها عما تشاء وكأنها سلعة خاضعة لشرائط العرض والطلب .
ومن قصة.. بشارة نجاح .. يعمل القاص على آلية تداخل الأزمنة عبر سرده الكثيف ومن خلال الأسلوب المتدرج لكونه من سمات القصة القصيرة جدا أسلوبها الدائم في اختزال الخطاب واختزال كافة العناصر حيث يعمل هذا الاختزال على صرف العناصر الهامشية خارج السرد فيعمل السرد على التركيز على الأحداث الفاعلة وترابطها العضوي مع الشخصيات التي تشكل قضية السرد وهوية المعاناة والقصة أسرية النزعة والخطاب فهي تتناول أسرة الشاب حسام المجتهد في دراسته والمتفوق في امتحانات الدراسة الإعدادية والذي أوصته والدته بجلب النتيجة وأن يبشر والده اولا  بالنجاح فالشاب يطمح ان يقلد والده المقاتل في قوات الحشد الشعبي بعد أن سمع من أبيه قصص البطولة والفداء من المقاتلين المرابطين لصد هجمات داعش الإرهابية ليأتي الفتى حسام بنتيجة النجاح ويبشر أباه وهو ينظر الى صورته المعلقة المكتوب عليها شهيد الحشد الشعبي فقد أوفى الشاب بنجاحه وقدم البشرى لوالده كما اوفى الوالد لوطنه بدمه دفاعا عن ارضه ومقدساته 
تمتاز القصة القصيرة جدا بوجود شخصيه واحده في دائرة الضوء وهذه الشخصية تكون حامل فعل التبئير ومحمولته في ذات الوقت فهي تعمل على شرنقة الزمان وتجذير فعاليته عبر الحدث وان كان مضغوطا بفعل الإختزال وآلية التكثيف حيث يستخدم القاص السارد العليم من بوابة الضمير السردي هو لتتجلى لنا وجهة نظر  واحده لكونها خارجه من منظور سردي واحد هو منظور الشخصية المهيمنة  وفي قصة القربان يعود القاص ليجعل من قضية الوطن وحضوره في وجدان الشخصيات كقضية فاعلة تصنع أحداث القص وتتسع فيها مديات تجلياته بعدد قصص الفداء والتضحية من اجل دوام عزته وكرامته وعنوان القصة ( القربان) يتماهى مع قصة قربان (الفداء ) والتضحية في كربلاء الحسين والشهادة  حينما يصدم الاب في شهادة ولده في قتال عناصر داعش الارهابية أمام عينيه ليقف مدهوشا على جثته ويقول ما رددته السيدة زينب عليها السلام عندما وقفت عند جسد الإمام  الحسين عليه السلام المثخن من الطعن والضرب والدماء السائلة لتقول كلمتها الخالدة اللهم تقبل منا هذا القربان 
يأتي السرد بصيغة أنا المتكلم للفتى الشاب الاصغر من العائلة .
تتناول قصة الذئب سرديات أسرة مكونة من أربعة أفراد يتوسطهم ضياع الأمنيات  وسط حزمه من الأماني جاء السرد بلسان الأب وعبر ضمير الأنا السارد الجامع لأسرار الحكاية فالزوج يناضل من اجل معيشه محترمة لإرضاء زوجته وكذلك لتمكين أولاده من إشباع بطونهم الخاوية لكن القلوب المتلونة تتغير بوصلتها في الوفاء للرجل الكادح بصدقه ووفائه حيث نبذوه ورموه كالمجنون إنها خصلة الذئاب التي رمز لها القاص وأظهر مداليل ومصاديق خصال الذئب على ضحاياه بالغدر والفتك والإجهاز من دون رحمة .
  كما يعتبر وصف عوالم الشخصية الداخلية على لسان الشخصية الساردة عنصرا من أهم آليات الكشف عن أحداث القصة وأزمة تفجرها لذا يعتبر عنصر الكشف عن حالة الشخصية الجوانية  وما تعانيه العنصر العضوي الفاعل في قصة سراب الرؤيا التي تتحدث عن شخصية تعاني من الظمأ في الصحراء حيث تحاصرها الرمال المتحركة وهو يبحث عن الماء فيستدرج القاص القارئ في بث مشاعر التوقع لرحلة بطله داخل أتون الرمال الساخنة وهو يغوص في أعماق الرمال  المتحركة ويده تلوح للاشى حيث تأتي النهاية أن يد البطل وهو يغور في الرمال ظامئا محروما ولكن يده تلوح للاشيئ دلاله على أفول الوجود وانقطاع الشخصية عن ثمرة الحياة حيث جاءت تقنية الوصف داخل القصة عبر تمرحلات هوس الشخصية بالخلاص من محاصرة الموت
والعدم حيث تعتبر تقنية الوصف من التقنيات السردية المهمة وأن جاءت على شكل إشارات تصف حيرة الشخصية وتجربتها في مواجهة صمت الأشياء واقتراب الفناء والغرق في أتون الظلم والفقد ولعل القص يشير الى غرق في أتون المظالم الاجتماعية وغياب العدالة ومجهولية المصير في عالم هيمنت علبه المنافع الأنوية وغرق في الماديات وأصبح الفرد  يعاني خلاصاته بصراع فردي محموم بالغربة والحيرة والفجيعة
وكذا تأتي قصص المجموعة انكسارات ملتزمة بشرائط العناصر الفنية والجمالية للقصة القصيرة جدا من حيث التكثيف والإضمار والاختصار والخلاصة والانعطاف السردية المحققة لفعل الدهشة خاصة في قصص اللوحة والومضة السريعه مثل قصص حياة وسراب وخيال وذات وفراغ حيث تركز هذه القصص على موضوعة الذات الانسانية كبؤره لتفجير الحدث من خلال فعل المضادة في إدراك اللعبة الدرامية بين استهلال القصة وخاتمتها يقول في قصة سراب (استقل بذاته يوما وأغمض عينيه ليوم ويوم وعدة ليال فتح عينيه استنشق نفسه أصبح سرابا ) اذ يحقق فعل المضادة بين اكتشاف الذات استقل بذاته وبين خاتمتها أصبح سرابا ومع هذا التكثيف العميق للنص تكشف ال ق ق ج رحلة الوجود عبر فضاءات النفي وتجليات العدم وينطبق الحال مع قصة خيال التي تقترب من ثيمة ومضمون قيمة سراب من حيث المضمون والبنية الذهنية (استفاق يوما هلعا من طيف طالما شاهده وحينما أيقن ضياعه تأمل نفسه وجدها خيالا ) وكذلك قصة ذات التي تتمحور حول الأنا الإنسانية المتماهية في لجة الفوضى وقد جعل منها أي الذات لبوسا أي منحها شيئيات نرتديها وننزعها فهو ينزعها أي الذات كما ينزع القميص ويتركها ويرجع اليها ولكنه حينما عاد اليها ليرتديها وجد نفسه شاذا والقاص ينحو الى رؤية ترصد الزيف السائد في الحياة والتي تجعل الفرد يشعر في غربة مؤلمة عن ذاته فهو ينسلخ عنها ويعيش انقطاعات دائمة عن عالمه الخارجي (قصة ذات .. في وقت آخر نزع ذاته وتركها هناك صار تافها بلا قلب رجع إليها.. ذاته .. لبسها وجد نفسه شاذا ) ... وكذا تأتي قصص المجموعة لتشكل أيقونة لحالة الوطن وتعالقات العشق الدائم بين الوطن وأهله الباحثين عن جماله وخصبه وجنانه.. فلقد كان حضور الراوي بارزا فهو الراوي الممسرح لحكايات وانكسارات علي العبودي بقوة وحضور وفاعلية.
google-playkhamsatmostaqltradent