حين التقيكِ
للشاعر"جبار الكواز"
النص- مقابلة اللغة الشعرية باللغة اليومية
قراءة عقيل هاشم
هذا الطريق. ..
حين التقيكِ
لم يعد ممّرا لأحزان السابلة
فكلما قطعتُه
أسأل نفسي
عن نفسي
فتشير بيوته بالسلام
وتسألني عنك
واجهة الفندق التي آلتقينا أمامها
لدقائق
او
لأعوام
لم تعد أشجارُها صندوقَ ذكريات
ولا عثراتُها آبارا ألفت الظمأ
وآحتضنت الغرقى
الحراسُ بملابسهم المرقطة يعبثون
بمؤخرات (موبايلاتهم)
من أجل صورةٍ لنساء فرحاتٍ
وهنّ يمرقن بسوادهنّ
وكلما
أمعنتُ بضلالي
أوقدنَ أصابعَهنّ
حسراتٍ
وبرعمت ْعيونُهنّ
بدهشة سكارى
هذا الطريق. ....
صديقي
فكم أرسلت له رسائلَ وجعي
ولم يردْ كمغترب
أضاع شمسَه
او ميْت
لم يأبه بلهفتي
وحسراتي
وحينما غبتِ فجاءةً
هو أيضا غاب
فلم يعدْ صديقي
بعدَك
ظلّ يعاندني
بكِ
نكايةً
بالسابلة واحزانهم
لم يرسلْ وردة
لمواساتي
الّا حينما داهمتْه
الاراملُ
والأيامى
والمطلقاتُ
صرخ
وهو في سكرته الدورية
النجدة !!
أين أنتما? !
فما زال ظلُّكما
يأبى الغياب
وحين لم يسمع ردّا
الّا من مجنون واقف
في انتظارك
بإشارات يائسٍ
غاب مرّة اخرى
وهو يردّدٌ
اين سافرت تلك المجنونةُ ؟
وكيف بي
وانا عارٍ
بسواها. ؟!
"إلانتظار حدوث شيء ما هو من انشطار الاخر "المراة" عقدة الفقد التي يعانيها الشاعر مما يجعله يشعر بالقلق والتوتر و الضغط النفسي و تدفعه أيضا للشوق و اللهفة " .
في هذا النص تتجلى ثيمة "الانتظار" لقد كتب الشاعر عن لوعته و معاناته في إنتظار الحبيبة الغائبة ، و تحدث عن أوقات الإنتظار الصعبة ، وصفها أيضا بعذابه إذا لااثر لوجودها اليوم ، و كيف أن الشاعر بفقد المراة - الحلم . يصبح كالطائر الذي أضاع الطريق لعشه و مأواه .ومن اصعب لحظات الانتظار هو انتظار الحبيب.
فكلما قطعتُه
أسأل نفسي
عن نفسي
فتشير بيوته بالسلام
وتسألني عنك
القصيدة تختصر حالة الشّاعر الملهمة . فالشّاعر في قلب عالمه العشقيّ، يخاطب حبيبته الكائنة خارج عالمه . المعنى الكامن في قلب الشّاعر، هو الحدّ الفاصل بين ماضٍ عبرَ وآنٍ يحضر ملؤه العتب والفراق الابدي . يتأمّل ذاته في شخص حبيبته الّتي يرمز إليها بالقصيدة.
أنّ الشّاعر وحبيبته يكوّنان معاً المعنى الشّعري للقصيدة..
كتبها الشاعر بلغة سهلة موجزة بديعة، في جوهرها كثافة المعاني بألفاظ جد قليلة ..الذكريات القديمة تسيطر على جو القصيدة ، توحي مناوشة الذاكرة أنها الكائن الذي يغط في السبات،الحلم المفقود وربما لايتكرر مرة اخرى..فحياته بين بقاء وفقد.. هكذا أولجنا الشاعر في بكائيته ومرثيته..لهذا مازالت القصيدة تتعالى ، ويتوغل فيها السراب الماثل أمام صوفية النص المتبتل في محراب وحدته
وهنا ينقل الشّاعر حبيبته من بناء عالمها إلى مرحلة الولوج في عالمه.
فلم يعدْ صديقي
بعدَك
ظلّ يعاندني
بكِ
نكايةً
الانتظار يختلط فيه الواقع والخيال وينسج فيها التمنيات والآمال والتشاؤمات كل حسب ما يريد، قد تكون فترات الانتظار سعيدة وممتعة تفوق الواقع وقد تكون فترات تعيسة بعيدة كل البعد.. القصيدة عادة ما تسمح بوجود فسحة من الخيال، فسحة قد تطول وقد تقصر.
فى انتظار لقاء الحبيب لايمكن للشاعر ان يتجنب التفكير حتى ولو بصورة خاطفة،
ليس انتظار الشّاعر عبثيّاً، وإنّما هو حالة تأمّل لعمق الحبيبة حتّى يتلمّس حبّها. من هذا التّأمّل الصّامت، ليحافظ الشاعر على الاتّحاد الكائن بينه وبين حبّه.
اين سافرت تلك المجنونةُ ؟
وكيف بي
وانا عارٍ
بسواها. ؟!
وهنا تترى الصور البيانية والتشبيهات ذات الصور المتتابعة، المتجلية بين المعنى والمبنى، الشكل والمضمون، الكلمات ثرية بمعاني الصفاء والإشارة تبدو واضحة جلية في توظيف الصور التي تبرر تماما حالة عاشق متصوف بين الكشف والاستئناس، فهناك الطريق مليئة حتى يصل المتبتل إلى ظله؛ يتفرد وحيدا يحتويه السكون وتبدأ المكاشفة .