recent
أخبار ساخنة

اشكالية تسمية النثر

.. ماهي إشكالية تسمية النثر ؟ومن هم الرواد الأوائل للنثرية العربية ؟
     لكل ظاهرة أدبية جديدة منظرين ومريدين ومعارضين ومعترضين وليس من حق أحد الرفض لأي جنس أدبي جديد إلا أن الاحتكاك بالأدب العالمي أفرز لنا تجارب في مجال اقتباس التجارب ومحاولة تقليدها انطلاقا من (عالمية الأجناس الأدبية) مع احتفاظ كل أمة بما ورثت والتمسك بثوابت وتقاليد وخصوصيات معينة إلا أن ذلك لا يمنع مطلقا من الإفادة من التجارب العالمية التي تسعى الى الرقي بالذائقة الأدبية لما يعزز من مكانة وحضور الأدب العربي.
    وبهذا فإنَّ الدكتور طه حسين إنما يشير إلى حقيقة مؤداها ((أنَّ من العزيز على المرء أن يظفر بشيء ذي بال وهو يبتغي التاريخ لظاهرة أو حدث أدبي ، لأنَّ الظواهر الأدبية إنما هي نتيجة لمقدمات عديدة تشترك فيها أطراف شتى ، فضلاً عن البحث في أوليَّة الفنون والظواهر الأدبية يشبه – إلى حد كبير – السير في أرض غير موطوءة ، وإذا ما وقع نظرك على خطى سالفة فإنَّك ستجد أنَّها تلامس هذا الجانب أو ذاك من جوانب الحقيقة ؛ كل ذلك وأنت تغض الطرف عن جوانب أخرى ))، والتجربة النثرية ورغم تجّذها في الموروث العربي من خلال الحكم والأمثال والخطب ... إلا أنها في الشعر منطلقها غربي كتجربة جديدة على الثقافة العربية سار عليها الغرب كما أشار الدكتور طه حسين وتبع أثارها ثلة من شعراء العرب واخضعوها للتجريب بحثا عن مؤيدين لتبنيها.
ولا يعني قول طه حسين البراءة من هذا الجنس الأدبي بأي حال ومن الحكمة التعاطي الجدي معه والانطلاق للبحث فيه وما جدواه فليس من المحرم في الأعراف الأدبية التجريب والأخذ عن أي تجربة على قدر نجاحها وإيجاد بيئة مناسبة لها.
وعليه نجد أنَّ قصيدة النثر اقترنت بطموح جمهور من الشعراء كانوا يصبون إلى الانقلاب على سلطان القواعد إلى عالم رحب الآماد ، مترامي التخوم ، مفعم بالحرية ،.. إنه عالم النثر الذي وصف بأنَّه " يسير في طريق من صنعه ، وله الخيار في كل خطوة يخطوها.. ومن ثمَّ يجد تسجيل الحياة ذات الخصائص والمظاهر المتنوعة .
وبعيداً عن نظرية المؤامرة التي يركن لها بعضهم وهم يظهرون كأوصياء على الادب ويظهرون خوفهم على الإساءة للموروث الشعري العربي وكأن النثر كتجربة غربية لا نثر في لغة العرب وينكرون جمهور النثر كطبقة من طبقات الإبداع وخلق الصور الجمالية التي تريح النفس وتخفف عن كاهل الإنسان وأي امة بلا آداب ولا فنون أمة بلا حيوية.
من كل هذا نسأل : ماذا قدمت النثرية للإنسان وهل أسهمت مع الموروث في تكامل المشهد الشعري وإن كان يصّر بعضهم على استنكار الناثر بل توجيه تهمة التآمر على الموروث العربي والنيل منه؟ 
وهذه التهم الزائفة تندرج ضمن منحيين :
1- الأول عدم رغبة موجه الاتهام في خوض التجربة لقصور أدواته وضحالة إحاطته بقواعد النثر ومحدداته وأنه لاشيء مطلق في الأدب فلكل جنس قواعد ولا شيء محّرم مادام يسعى لخلق الجمال، وهنا نجد أن ضيق الأفق في قبول الآخر المختلف هو السبب .
2- الجدل لمجرد الجدل الذي عرفت به الشخصية العربية ومهما بلغت من تحضّر تبقى مؤمنة بما تعتقد كافرة بمعتقد الآخر وإن أظهرت اعترافا زائفا مترددا فسرعان ما تنكل بما اعترفت به لسانا ورفضته قلباً... يمكن مراجعة ( مقدمة ابن خلدون للاستزادة حول هذه الإشكالية).
وكل منحى مما ذكرنا له مريدين عاشوا ويموتون على هذا التخلف والجمود والاعتقاد بأن منهجه المثالي وما يتبناه الآخر خطأ فادع وإساءة لذا فان الصراع على أشده بين ( الشعر والنثر) ولا ينتهي هذا الصراع إلا بإيمان العقل العربي بأن الحقيقة نسبية لا يمتلكها مدع مهما بلغ والآراء شتى فان اتفقت أبدعت وان اختلفت تشرذمت وأرشح الاحتمال الثاني في ثقافتنا السائدة فهي بدلا من أن تخلق( محبة وجمال) تسعى لتسويق ( الخلاف والاختلاف) والانحراف عن المسار الرئيسي الى مسارات متعرجة تستنزف الجهد بلا جدوى.
النثر يعني الحرية وعليه كان النزوع إلى الحرية من البوادر الأولى لظهور قصيدة النثر ، ولاسيما حين أخذ فريق من الأدباء يشعرون أنَّ الكتابة زقاق غير نافذ – وفقاً لرأي رولان بارت – وبعبارة أخرى حين غدا الشعر تعاملاً فرديًا مع الألاعيب اللفظية ، واتباعًا مشوَّهًا للقواعد الأكثر فنيَّةً ، لذلك فقد كان أكثر إيناسًا من الأحاديث الاعتياديَّة.
أما الشكل في الشعر الكلاسيكي فما عاد أكثر من وعاء يبحث عمَّن يملؤه كما ذكرنا ذلك في أكثر من موضع، وكان هذا الملء مبتغى الشعراء وشغلهم الشاغل إلآ النزر اليسير منهم سعى للتجديد على مستوى اللفظ وليس على مستوى الأسلوب فمهما فعل الشعراء يبقى القالب الشعري دون أي تغيير، وعليه جاءت قصيدة النثر - بوصفها بحثًا عن اتجاه شعري حر  لتعصف بمظاهر الجمود والركاكة والصيغ والقوالب التي سحقتها العادة ، ولعب التكرار لعبته بقيمتها الفنية فليس لها إلا قراءة واحدة ، مع الاحتراز من أنَّ هذا الظهور لا تمليه – بالضرورة طبيعة الموقف الأدبي وقتذاك بقدر ما يشير إلى أنها خروج هادف ومتعمد .
ولا نزيغ عن الحق  أنَّ جذور قصيدة النثر تعود للترجمة التي اقتلعت الشعر من لغات شتى وحولته إلى اللغة العربية بترجمة القصائد من لغة إلى أخرى ، فالمترجم بعد أن يقتلع القصيدة من لغتها فإنَّه يحاول إنتاجها على نحو يحسب أنَّه مطابق لما كانت عليه القصيدة وهذا أمر محال ، غير أنَّ ما يحول دون ذلك اختلاف الأداء الشعري بين الأمم تبعًا لتغاير الأدوات الفنيَّة والأسلوبيَّة للغات تلك الأمم فضلاً عن اختلاف تقاليد الإبداع الفني فيها، ومن اليسير تحري صحة هذا الزعم بالعودة لأولى التراجم للشعر الغربي.
ولعل من الاقوال المأثورة ( أن الترجمة هي أول خيانة للنص) لأنها واقصد الترجمة لا تضاهي القصيدة الأم ، ولكنَّ الأهميَّة تكمن في أنَّها كانت حافزًا حدا بالكثيرين إلى إبداع قصائد تمثل أصلاً بذاتها من دون أن تكون صورة لأصل سابق ، ويتجلى للباحث بهذا الشأن أن ترجمة قصيدة النثر – على الرغم من أهميتها بوصفها جذورًا لقصيدة النثر الحديثة – لم تتعدَّ كونها الهاجس الفردي ، أو المنجز الجزئي المتحقق بقصد أو من دون قصد في نتاج (غوته) و(هاينه) و(إدغار ألن بو).
وقد تعهَّدت روح العصر وحركة التأثر والتأثير في الآداب والفنون قصيدة النثر بالرعاية والعناية لتسلمها إلى مواهب كبرى تأخذ على عاتقها الارتفاع بها ولاسيما على يد طبقة الرمزيين الفرنسيين ، وفي مقدمتهم  (شارل بودلير) في مجموعته (قصائد نثرية )
ويشير أحد الباحثين بأنَّ (رامبو) أول من كتب قصيدة النثر مما يجعله متقدمًا على بودليروفقا للتسلسل التاريخي ، وهذا وهم ، لأنَّ رامبو ابتدأ كتابة قصيدة النثر بعد وفاة بودلير بثلاث سنوات ، أي منذ منذ سنة 1870 م ، فكيف يصح أن يكون متقدمًا عليه ، فضلاً عن أنَّ رامبو نفسه كان يؤكد أنَّه مفتون بقصائد بودلير النثرية، ويقترن بهذين الشاعرين شاعر فرنسي آخر وصل بين الشاعر والقارئ ، حتى قال : " إنَّ معنى أبياتي هو ذلك الذي يعطيه لها القارئ ، وظهور هؤلاء الشعراء في فرنسا يؤكد أنَّ قصيدة النثر فرنسيَّة بامتياز ، ويشهد على ذلك أنَّ التقاليد التربوية الشعريَّة الفرنسية تصر على الفصل الحاسم بين الشعر والنثر ، وذلك خلاف التقاليد الشعرية في سواها من بلدان أوربا، وهذا ما يشيع اليوم في اوساطنا الشعرية وهو عملية الفصل بين ( الشعر والنثر).
وفي الولايات المتحدة الامريكية تصدر القائمة ، (والت ويتمان) ومثّل الكتابة النثرية خير تمثيل ، ولاسيما في ديوانه (أوراق العشب) الذي ظهرت طبع سنة 1885 م، وللاستزادة العودة لقراءة هذا المطبوع الذي ترجم الى اللغة العربية في القرن التاسع عشر.
ومهما فعلنا نخلص الى حقيقة مفادها أن قصيدة النثر أوربية بلا شك، ، ونجد بذورها عند شعراء ألمان ، ثمّ يطورها الفرنسيون ، والأمريكان ، وجوبهت اول ظهورها بمعارضة كبيرة  في الاوساط الثقافية الاوربية ، وهذا ديدن كل حركة جديدة ، لكنها لم تلبث أن حصلت على جواز الإقامة في مملكة الشعر ، بل أنَّ التحمس لها يتصاعد يومًا بعد آخر حتى وصل الأمر الى قول بيرس المشهور  " في الحقيقة أنَّ النثر الرديء هو نثر شعري ، والقسم القليل من الشعر الرديء رديء لأنه نثري " في ذلك ينظر : قصيدة حرة إلى قصيدة نثر، ولوتريامون (1846 - 1870) ومسألة سان جون بيرس، ومقدمة ماكس جاكوب لكتابه «كوب الزار» المعروفة باسم مقدمة 1916، وحسين مُردان ومصطلحه (النثر المركز) كذلك أبي شقرا في قصيدة منشورة بجريدة (النهار) 1959 تحت عنوان (ربّ البيت الصغير، قصيدة نثر).
ولنطل على وطننا العربي الذي استيقظ شعراؤه بعد رقود طويل ، ليجدوا أنَّ الكون قد قطع أشواطًا بعيدة في مسيرة الحضارة ، فكان للشعر تقاليده الخاصة إذ لا يختلط بالنثر ،ولا يتوقع منه أية مساعدة ، بل إنَّه يأنف من أن يعدّ منافسًا للنثر ، ولما كانت المقدمات تقود إلى النتائج ، والتطرف يقود إلى التطرف غدت المواضعات الشعرية ذات قيمتين ، فهي تمثل عند قوم آلهة مقدسة يلعن من يخرج عليها ، أو يحيد عنها ، بينما ينظر إليها آخرون على أنَّها أصنام لا يذكرونها إلا للسخرية والتندر ، وإذا كان لا يعنينا في هذا المقام الحديث عن كلا الموقفين ، فإننا نشير إلى أنَّ الحماسة للنتاج الغربي ، والهوس بالمنجز الحضاري للغرب كان من أهم العوامل المساهمة في نشأة قصيدة النثر العربية. وقد مثّل هذه الحركة قائمة من رواد النثر العربي وهم : يوسف ، أدونيس ، خليل حاوي ، نذير عظمة ، وهم من أسس للقصيدة النثرية وقالوا أنها ( قصيدة)  فهم من شكّل النواة ، والذين سينضم إليهم عدد من النقاد الشبان : كأسعد رزوق ,انسي الحاج وخالدة سعيد واسسوا مجلة تعني بهذا الشأن ، واستطاعت مجلتهم التي أسموها (شعر) من استقطاب فؤاد رفقة ومحمد الماغوط ومنير بشور وشوقي أبي شقرا وعصام محفوظ ، وكانوا حينذاك شباناً وفي بداية مسيرتهم الشعرية
ومنذ صدور العدد الأول لمجلة (شعر) اللبنانية أخذت تتعهد هذا اللون الإبداعي الجديد بالرعاية والتبشير سواء عن طريق طبع مجاميع قصائد النثر والتبشير بها ، أو عن طريق ترجمة أعمال كثير من الشعراء الذين كتبوا القصائد النثرية مثل : بودلير ، ورامبو وملاراميه ولوتريامون ، أو عم طريق تشجيع الناشئين على كتابة قصيدة النثر.وهذه الحقيقة مهدت لشيوع هذا الجنس الادبي الذي سعى للحرية من قيود القصيدة العربية الخليلية.
ولمّا لم نجد من مصر من تحمس لهذه الفكرة الا أن (غالي شكري ) كتب عن قصيدة النثر وأشاد في بعض المواقف باهميتها وانها تمثل التجديد في الشعرية العربية
أما في العراق فقد كان المناخ مهيئًا – إلى حد ما – لاستقبال قصيدة النثر ، ولاسيما بعد دعوات الزهاوي إلى الشعر (المرسل) ، والرصافي إلى الشعر (المهموس) ، وحسين مردان في ديوانه (الربيع والجوع) الذي جاء على غلافه أنَّه من النثر المركَّز، ولعلَّ آخر الدعوات هي الأكثر جرأة إذ حملت صراحة على الوزن الشعري ودعت إلى استبعاده نهائيًا عن الشعر ، ولا أدل على ذلك من قول حسين مردان عن الوزن أنَّه " حبل قصير لا يصل إلى القعر ، لذلك لا بدَّ من الاستغناء عنه والسقوط إلى الأعماق لنفرك التراب اللزج في القاع فتشع المعادن الكامنة فيه، هذا القول للشاعر حسين مردان ولاقى ردود افعال مختلفة ومعارضة من بعض الجهات التي فهمت القول (تهجما وانتهاكا للموروث الأدبي )، ثم نشبت السجالات والى يومنا هذا لم ترسو على برّ آمن .
ومما تجدر الاشارة اليه على مستوى الشعرية العراقية شكلت  مجلة (شعر الكلمة) في العراق عام 1968 م منبرًا يدعو الشعراء إلى كتابة قصيدة النثر بكل حماسة مستندين إلى أن " الدعوة لكتابة قصيدة النثر تنطلق من موقف حضاري قائم على نقيض شعري يستند على النقل الميكانيكي للمنظورات والعقل... ذلك أنَّ القوى المعطَّلة داخل الإنسان لا يمكن أن تجد طريقها في الشعر إلا من خلال الصراع الشعري ذاته ، وحتى هذا الصراع لا بدَّ أن يخضع لقانون القصيدة الذي هو الفني والتتابع... إنَّه اغتصاب لما هو أكثر مفاجأة ، وإلغاء للعلاقات التي تربط حركة القصيدة... ، ولما كانت منابر التجديد كثيرة ومتعددة ، فقد كان الجو الأدبي في شغل شاغل عن خوض المعارك العنيفة ، وهي - أعني قصيدة النثر في العراق – وإن جوبهت بالمعارضة إلا أنَّها لم تكن كتلك المعارضة التي قوبلت بها حركة الشعر الحر.
ومن أبرز الدعاة إلى قصيدة النثر في العراق : موسى النقدي ، وسركون بولص ، وصلاح فائق ، وسلامة كاظم ، وغيرهم وقائمة اخرى طويلة سارت على ذات السكة التي بدأت لتستمر حتى شغلت قصيدة النثر الاوساط الشعرية نقدا وتنقيحا ، وان اول ذكر لقصيدة النثر يعود لمجلة (الكلمة) لصاحبها السيد (حميد المطبعي)  في العراق، وقد كانت هذه المجلة شديدة التحمس لقصيدة النثر ، والدعوة إليها ، ومجابهة من يقف بالضد منها ولا يغفل عن أنَّ قصيدة النثر العراقية لم تتطور كثيرًا على نحو ما تطورت إليه قصيدة النثر اللبنانية ، وقد عزا أحد الباحثين ذلك إلى أنَّ " البناء الفعلي للشاعر لم يتطور كثيرًا إلا بما يجعله عموديًا داخل قصيدته الجديدة .
ولابد من الاعتراف أن قصيدة النثر العربية قد بدأت تحذو حذو القصيدة النثرية الغربية ، وأنها حققت حضورها الخاص اعتمادًا على استقراء كثير مما جاء به تراثنا العربي ، الذي يحتمل أكثر من قراءة تجعله محملاً بالأبعاد الإنسانية وحقاً أنَّ العامل المحرض لنشوء قصيدة النثر العربية كان المثاقفة ، والاحتكاك بإنجازات قصيدة النثر الأوربية ، ولكن وجود إنجاز عربي ألحق ظلمًا بحق النثر ، ويشجع الشاعر والناقد العربي على إعادة النظر في التراث لتوفير سند لنوع شعري يلقى هجومًا عنيفًا من قبل قلاع الشعر التقليدي ، ويسعى إلى تحقيق عدد من الأدباء والنقاد الجادّين يقف أدونيس في مقدمتهم ليس بشعره فقط بل بتنظيراته.

النثر وبدائل الإيقاع:
لو سألنا هل في النثر ايقاع ؟ لكانت الإجابة بالنفي الا أن هناك بدائل للإيقاعية وجدت لكي يتمكن أرباب قصيدة النثر من خلالها مواصلة نهجهم المتبني لنموذج لغوي يكفل للمتلقي مواصفات شعرية معينة   ، وعليه نعيد السؤال بطريقة أخرى اين الايقاع في قصيدة النثر؟.
وللاجابة نذهب لما يقول به أرسطو " فأما شكل القول فينبغي ألاّ يكون ذا وزن ، ولا بدون إيقاع ، فإنَّه إن كان ذا وزن ، فإنَّه يفتقر الإقناع ، لأنَّه يبدو متكلَّفًا ، وفي نفس الوقت يصرف انتباه السامع ، إذ يوجهه إلى ترقب عودة سياق الوزن... وإذا كان بدون إيقاع ، فإنَّه يكون غير محدود بينما ينبغي أن يكون محدودًا (لكن لا بالزمن) ، لأنَّ ما هو غير محدود ولا يمكن أن يعرف ، وكل الأشياء محدودة بالعدد ، والعدد الخاص بشكل القول هو الإيقاع ، والأوزان (البحور) أقسام من الإيقاع ، ولهذا يكون النثر ذا إيقاع.. ، ويمكن الاستزادة بالرجوع لرأي ارسطو في الايقاع.
وفيما تقدَّم يرى أرسطو أنَّ للنثر إيقاعًا يختلف عن إيقاع الشعر المعتمد على ما هو متوفر في النثر ، وعليه يفرق بين الوزن والإيقاع ، فللشعر وزن يساعد على ظهور الإيقاع ، وللنثر إيقاع ينشأ من وجود بعض " المحسنات البديعية التي تساعد على جعل النثر موسيقيًا ، وهي الطباق والمضارعة وتساوي المصاريع.. 
أما ابن سينا ومن بعد ابن رشد فقد رأى كل منهما أنَّ العرب اهتمت بإبراز الإيقاع النثري من خلال موازنة الكلام ، والاهتمام بطول المصاريع وقصرها ، ومعادلة ما بينهما في عدد الألفاظ والحروف ، وكذلك الاهتمام بالسجع وتشابه حروف الأجزاء لما للسجع من خاصيّة إيقاعيَّة واضحة وإن كانت تلك الأمور لا ترتقي بالنثر إلى النظم ، وبهذا فالنثر " لا يخلو من نوع من الوزن والإيقاع ، ولكن وجود هذه الظاهرة الصوتية تختلف عن وجودها في الشعر كيفًا وكمًا ومصدرًا ، فإذا كان مبعثها في الشعر توالي التفعيلات بما فيها من متحركات وسواكن وتتابعها على نحو منتظم في البيت من القصيدة ، فإنَّ مبعثها في النثر المناسبة والموازنة بين الألفاظ في الجمل والعبارات ، أو بين الجمل والعبارات أنفسها.
تقصدت بهذه الاطلالة على قصيدة النثر أو النص النثري اسهامة في توضيح تاريخية ظهور النثر وجذوره وازالة اللبس الحاصل بين مفهومي ( الشعر الحر) و( النثر) الذي غالبا ما أجد كثيرين يخلطون بين المصطلحين وكأن ( الحر والنثر) صناعة غربية ، ولا أشك طرفة عين أن اعدادا كبيرة من المعاندين والمؤيدين لم يقرأوا كثيرا بقصد أو بدون قصد عن ماهية القصيدة الحرة والنص النثري وهي احدى اشكاليات ثقافتنا الراهنة.
Reactions
اشكالية تسمية النثر
الموسوعة العراقية الكبرى

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent