----------------
( النص بين سياقين …
السياق الانشائي والسياق الشعري )
نص للشاعر العراقي جبّار الكوّاز
انموذجا ..
———————- بلاسم الضاحي
النص :-
يا(سيدةُ الفجر)
يا(غزلُ عراقي)
يا(ذاكرةُ الخندق ذاكرة الورد)
يا(رجالٌ من طراز خاص)
يا(حمامةُ الروح )
يا(دفاعا عن الظلّ)
يا(ورقةُ الحِلّة)
يا (من الضاحكُ في المرآة؟!)
يا(اقولُ انا واعني انتِ)
يا(اراكِ حيث لم تكوني هناك)
يا(ما أضيقَ الغابة! وما أوسع الظلال!)
يا(صعودا الى خارطة الانهار)
يا( عصاي خرساء ودليلي اعمى)
يا (أحزان صائغ الطين)
يا(لاضوءَ في قناديل الحروف)
ياانا...
(فوق غابةٍ محترقةٍ)
فاينَ انتِ الآن؟
-------------
القراءة :-
هل الشعر ابتكار ؟
هل هذا الشكل السطري ببنيته الهندسية الذي بين ايدينا نصا شعريا ام نصا فنيا مبتكرا ؟
ام نصا دعائيا غايته ترويجية لتسويق منتج ما ؟
اين تكمن شاعريته اذا ما افترضنا انه نصٌّ شعريٌّ ؟
هل كل ما يكتبه شاعر علينا ان نفترضه شعر ؟!
لماذا اختار الشاعر اداة النداء( يا ) دون غيرها من ادوات النداء هنا ؟
كيف اختتم الشاعر نصه ؟
اين نجد البراعة والمهنية والتجريب في نقل النص من سياقه الانشائي الى سياقه الشعري في هذا النوع من المدونات النصية ؟
هذه اسئلة مشروعة وتعد من مخرجات النص ، اي نص ،على افتراض ان النص ينتج اسئلة تقود اجوبتها الى معرفة . فالنصوص اشارات يوجهها المتلقي ليشكل منها بنفسه معنى او يبتكر منها معنى او يجترح لنفسه معنى او يعيد ما ابتكره الناص ليتمثل ويتماهى مع المعنى المُنتج …
النص الذي بين ايدينا مختلف ليس في شكله وانما بما يقترحه علينا على انه نص شعري اذن : علينا ان نختبره للوهلة الاولى ويبدو ان شكله الهندسي العمودي التسطير شكلا شعريا متعارف عليه وان جاء بلا عنونة تؤول على انها مقصودة من الشاعر على المتلقي ان يُفعّل مستقبلاته ويفترض / اما انه لا يعرف شيئاً عن هذا الناص او / يعرف كلّ شيئ عنه ..
الافتراض الاول يقوده الى التاويل وبما ان اية علامة ترد على مساحة النص تعد علامة لها معنى وفعل داخل النص بدءا من ادوات الترقيم والنقاط والاقواس والفراغات وما الى غير ذلك وتعدّ دوالٌ تهدي الى مداليل فيذهب المتلقي الى تفعيل مستقبلاته بدءا من ما محصور بين قوسين ليسأل لماذا وضع الناص ( سيدة الفجر ) مثلا بين قوسين ؟ ليشتغل على تأويلها حسب معطياته الثقافية وهكذا يستمر مؤولا ما ورد بين الاقواس التي تعامدت في مساحة النص .
اما الافتراض الاخر / ان المتلقي ( عليم ) يعرف كل شيئ عن شاعر اسمه (جبّار الكوّاز ) وما له من اصدارات شعرية وهذه عناوينها حسب زمن اصدارها واسبقيته وابتكر منها نصا جديدا مستفيدا من معلوميتها كعتبات لمجاميع شعرية المتلقي ( عليم) بها وماركات مسجلة باسم الشاعر تحولت لتقادمها الى ايقونات تسرد متوناً معلومة ومختلفة هذه السمة حولتها -اعني العناوين المحصورة بين هلالين في هذا النص - من سياقها الدعائي / التسويقي الى سياق شعري ومن سياقها الانشائي الى سياقها الشعري الذي يقودنا الى قراءة هذا النص على انه نص شعري ابتكاري وظف الشاعر مضمونه توظيفاً جديدا ومغايرا عما كان يحتله من مساحة على اغلفة المجاميع الشعرية الصادرة الى معنى حاضر مختلف عما كان عليه لاداء مهمة جديدة داخل مساحة نص جديد
وفي عودة اخرى الى النص خارج مهام ما بين الهلالين نكون امام اشارتين يجب الوقوف عندهما الاشارة الاولى تكرار حرف النداء ( يا ) ( 15 ) مرة بقدر عدد اصدارات الشاعر التي اشار اليها ومرة واحدة شكلت اهمية كبيرة في نقل النص نحو الشعرية ( يا انا ) لنقرا مهام اداة النداء في تحقيق مهمة وجودها في النص وبما ان النداء هو اسلوب من الاساليب اللغوية فقد قسمه اللغويون الى ثلاثة انواع ولكل نوع اختصاص بادواته ، النداء للقريب / والنداء للبعيد / والنداء للبعيد والقريب الذي اختصت به ( يا ) النداء .
ومعروف ان أدوات النداء هي ما تُستخدم في طلب المتكلّم من المخاطب أن يُقبل عليه، فالنداء هو الصّوت المحمّل بتلك الدعوة، وقد عرّف (المخزومي) النداء بأنّه: الإشارة إلى المنادى وتنبيهه للالتفات إلى المخاطب ويُعبّر عن ذلك كلّه أدوات خاصّة بالنداء، ويعرّفه (الخطيب القزويني) بأنّه: طلبُ الدّاعي من المدعو الإقبال عليه باستخدام أدوات خاصّة ...
( يا ) النداء هنا اخذنا تكرارها الى جلب الانتباه لما هو محصور بين هلالين السؤال. هنا
لماذا استخدم الشاعر اداة النداء ( يا ) دون سواها ؟
ألانها الاداة الوحيدة التي تستعمل لنداء القريب والبعيد؟ وبما ان اصدارات الشاعر جاءت بازمنة مختلفة بعيدة وقريبة طيلة مسيرته الشعرية مما توجب تكرار ( يا ) النداء دون سواها وهذا الاختيار لم ياتِ من فراغ وانما عن وعي وادراك اهمية وجود هذه الاداة في هذا النص ليحوّل ما بين الاقواس الى الى انساق نصية بازمنة مختلفة ..
والسمة الثانية التي يقف عندها المتلقي المؤول هي خاتمة النص المتمثلة بالسؤال
( فأين انت ِ الآن ) التي تحيل الى مخاطبة انثى الشاعر المحفز الاول في انتاج هذه العناوين التي عددها الشاعر في هذا النص سبق هذه الاشارة احالة النداء الى ذات الشاعر الذي خاطب نفسه اولا ووجه نداءه اليها ( يا انا ) لنعاود الربط ما بين ( انا ) الاولى و( انتِ ) الثانية ..هذه الثنائية التي توحدت في هذا النص هي اشارة رحلّت النص الى الشعرية
فانا اعد هذا النص محركا ذهنياً ودرسا في كيفية تلقي ما ينتجه الشاعر وكيفية تاويله ونقله من سياقه الانشائي / الى سياقه الشعري واصبح ابتكارا اجتهاديا تجريبيا في قدرته على اجتيار الحاجز الشفيف ما بين الكلام المعياري والكلام الشعري وذلك ما يتطلب مهارة وخبرة من لدن الذي يخوض هذه التجربة الخطرة التي نجح فيها( الكوّاز) شاعرا مهوساً بهم شعري ثقيل دائم البحث عن منافذ تصريفه بابتكارات مائزة في الشكل والمعنى ..