مجلة وتريات قصيدة النثر

{{ ياليتني قدّمت لحياتي }}

______________________

ليتني رسمت شجرة محبةٍ 

في كلّ درب مرت به أرانب أيامي ..

ليتني قدمت حبات مرحٍ للعصافير 

التي طرزت ضفائر بيتي ..

ليتني لم أترك غضباً في قلب صديق ..

أو زعلا ًفي ذاكرة قريب

ليتني فسحت الدرب بين خطواتي لمرور نملة ..

أو رفعت يدي عن زهرة لمرور نحلة ..

ليتني أصغيت لتسبيح وردة قبل قطفها ..

ليتني قبَّلتُ كفَّ أمي قبل كلّ لقمة من رغيف حنانها ..

ليتني حملت بأصابع قلبي كلّ ملعقة طعام 

في الطريق إلى فمها.. 

ليتني أزلت كل ذرَّة غبار تحت قدمها ..

ليتني كنت مشطها ..ومنديلاً يمسح قلقها عليّ .. 

وعكازاً لشيخوختها ..

ونظارة لعينيها وهما تمران على كتاب قلبي ..

ليتني أصغيت لحكاياتها القديمة 

وكنت أحد أبطالها ..لعل اسمي يمر بشفتيها 

ليتني شكرت الله في قمة النعم ..

وفي سفح المصائب ..

ليتني مددتُ يدي بالخبز لعين جائع .. 

وبالماء لطائر عابر..

ليتني مددت شرايين قلبي لصديق يبحث عن حبل نجاة ..

ليتني تأملت مرة واحدة في لوحة السماء وزينتها ..

ولم تشغلني سجّادة الأرض وزخرفها ..

ليتني استحضرت عظمة الرحمن

في كل غيمة مرّت بشكلها الجميل

مع عشبها الأخضر الطويل المخبوء تحت بياضها ..

ليتني لم أحذف سهواً من ذاكرتي 

وجوهاً ابتسمت لي مَحبةً..

وأصواتاً نادتني في لحظة نسياني لها ..

ليتني كنت سهل القلب والموج 

مسامحاً مع من مرّت قواربهم بنهر حياتي ..

ليتني كنت قلباً مبشراً باليسر في كل أمر ..

ليتني قدمت حلوى لكل طفل 

تائه في ليلة العيد 

ولمسةً لكلّ ظلّ 

تعالت الجدران عليه

وشمساً لكل نخل ..ينتظر الخضرة 

ليتني لم اصطد بقسوة ذئب 

بلبلا من أجل احتكار تغريداته في قفص  ..

ليتني لم أصرخ كبوق حرب بوجه عمال التنظيف ..

الذين كنسوا لسنوات أخطائي من دون ملل ..

وحملوا كيس نفايات ذاكرتي من دون تعب .. 

ليتني اعتذرت من معلمتي التي كذبت عليها مبرراً غيابي 

بموت جدتي الذي تكرر عشرات المرات ..

ليتني كنت أضع كلماتي في غربال

 قبل أن تخرج ..إلى تنور الحياة

وتصير أرغفةً بين أيدي الجميع ..

ليتني لم اشتم أشخاصا 

كان بإمكاني مسح دموع اعتذارهم ..

ليتني لم أطرق باباً إلا للإخبار بمسرات آتية من

حمامات قادمة ..

ليتني أغلقت كلَّ باب كان يقف وراءه شر أو وجع قادم 

ليتني على أبواب الطفولة اقتنعت ببالون أخضر صغير 

حلقت معه باتجاه غيمة نوارس 

ولم أحلم على عتبة الكهولة بمنطاد كبير متعدد الألوان ..

انفلتت خيوطه من بين أصابعي 

ومر في فضاءات الحروب .. قبل أن يسقط مثقوباً بشظيَّة ..

ليتني ..كنت نصف تمرة 

تذوب في فم طفل صغير ولد توا ..

أو كلمة واحدة طيبة 

في جملة من ياسمين 

ليتني كنت بلسماً من الشِعر للقلب الحزين ..

ياليتني ..........

يا............

....

.

احمد جارالله ياسين / العراق