قراءة بعنوان (مشاعر الحب في مجموعة اششش لا توقظوا الحرب)
بقلم الأستاذ الناقد حمدي العطار
..........................................
اكثر من اربعين قصيدة نثرية تنوعت ما بين التفاعل مع قضايا الوطن وادانة الحروب وتمجيد الحب، يقدمها لنا الشاعر الشاب (أحمد حميد الخزعلي) في مجموعته التي تعمد ان يكون عنوانها غريبا (اششش لا توقظوا الحرب) وكان يمكن ان لا تكون هناك كلمة الاشارة الى السكوت والصمت (اششش) لكنه تعمد وضعها لأن الحرب في العراق نومها ضعيف جدا وغالبا ما تنهض ويصيبها الارق فتخلق القلق وتبقى تحصد بالبشر، ومن هنا جاء الاهداء :
" الى كل الجنود الذين التحفوا غطاء الأرض \وابتعدوا عنّا دون عناق\ سأقرأ على ارواحكم ما تيسر من قصائدي \ حتى نلتقي في حرب قادمة\ كونوا بخير.." ص6
. "جمال الايقاع"
قصائد النثر تحتاج الى مستمع اكثر مما تحتاج الى قارئ ، لأن الاذن المتلقية والمستقبلة تتفاعل مع ايقاع الصوت في تلك القصائد ولذلك كنت اقرأ قصائد احمد بصوت مسموع ، فهو لا تشعر بغضبه المكبوت تجاه شدة وطأة الحرب الذي ولد مع انطلاقها الاولى (من مواليد 1979) بل هو لا يريد ان يوقظ هذه الحروب فكان مشروعه الشعري هادئ يجعل القارئ يتجاوب مع صدقه الابداعي بصدق مماثل ، ونتذوق مذاقا جديدا في اختياره للكلمات والمعاني " الأطفال يلعبون في الشوارع\ كي لا يوقظوا الآباء\ وهم يخلدون للأحلام على ناصية المدن\ إلا ابن جارتي\ يرفع صوته في أرجاء البيت كل يوم\ كي يوقظ أباه الذي نام طويلا\ منذ آخر صافرة للحرب"
ص99 (قصيدة فقد)
. "الالم مصدر الابداع"
في قصائد المجموعة تجد ان هناك حزنا عميقا، والشاعر يعترف بأن الكتابة تخفف احزانه والمه، فالقصائد تنطلق من تجربة الالم الذي لا يطاق والذي لا يمكن تهدئته الا بالوهم – الشعر "اننا لا يمكن أن ننعم بابتسامة خجولة من شفاه المدن\ المدن المثقلة بالحروب\ كان عليها متابعة الأمور جيدا\ فكلما حفظت ثلاجة الموتى، أسرار الجنود\ تنصل النهر من حفظ بقاياه الملونة\ أسفل القاع"
ص58( قصديدة الأسرار طازجة دائما)
. "وعي الشعر"
الفلسفة كان لها حضورا في شعر احمد ، وهو كما يرى ان الحب معادل ضد اليأس والعزلة والموت- والتي سنقف عندها في الجزء الثاني من القراءة- ، فهو يرى في الفلسفة قدرة على تحويل لغته الى لغة جديدة "أنا شاعر سيء\ لا أجيد الهروب من نافذه العالم\ كما لا اجيد مداعبة القصائد العارية\ يربكني النهد\ كلما اهتز راقصا\ على انغام الرصاص\ اقف وحيدا\ مثل سكير نسي كل شيء\ عند اعتاب مدينة\ لا تجيد سوى المضاجعة"
ص100 (قصيدة هامش)
تمتاز قصائد الشاعر احمد حميد الخزعلي بأنها من القصائد المحكية، وهو من الشعراء الذين لا تقودهم اللغة بل يعمل على ترويض اللغة لمشروعه الشعري.
. "الحب عاطفة قابلة للتأويل"
الحب كمفردة في اللغة وكمشاعر انسانية هي احد مصادر الهام الشاعر والشعلة المفجرة لإبداعاته ، يكتب الشاعر عن الحب بشكل مقدس وبطقوس غير اعتيادية وكأنه في حوار شعري وتستوقفنا قصيدة (على سبيل الحب) لم يستخدم الشاعر عبارة(في سبيل الحب) الجملة الاعتيادية والمتداولة بل وضع (على) بدلا من (في) وقراءة القصيدة توحي بسبب هذه الاستعارة وتحويرها :
"أرتلك ألقا عابرا فوق الغيم، يساير مزاج الريح\ كلما استفاض الشوق\ ليطرح على صدر البساتين ثمرة ناضجة\ تستفز مداد الأقلام، روايات فنتازية وأشعار رمزية\ مطرزة بالنمش فوق جسدك\ ولك حينها أن تقولي أي شيء"
هنا لوجود الشوق اصبح الحبيب لا يسير على الارض ليمكن رؤيته والتخلص من الحرمان بل هي في الاعالي ما بين الغيم والريح، لكنه ليس حبا محبطا للهمم بل هو ينتج سرديات واشعار تترك علامات على الجسد الحبيب، لا ينتمي الشاعر الى قافلة الشعراء المحرومين اصحاب القصائد الحب العذري، هو يحلق في فضاءات الحب لكنه يعود سريعا الى الواقع
"اتركيني..\ ألملم ما سقط منك أقمارا صغيرة\ أدسها في حلمي عندما يملؤني الليل\ وتنام وسادتي تحت رؤوس الأمنيات \ تسترق الرؤى عند رياض الفجر\ حينها فقط\ سأنبئ الحالمين\ والعابثين\ والمعذبين\ والعاشقين\ ان ما رأيتموه لم يكن الا صورة واحدة\ وان ضحكات الأطفال التي تمايلت غنجا كانت رشفة صغيرة من ثنايا ثغرك"
هكذا يتلاعب الشاعر بالقارئ فهو لا يستعين بخبراء الحب من (الحالمين والعابثين والمعذبين والعاشقين) ليأخذ منهم تجاربهم الفاشلة ويتجاوزها بل هو من يقدم لهم النصحية والموعظة، ويستفزهم لأنهم ما يرونه (ألا صورة واحدة)، لكن المفاجأة تأتي في المقطع الاخير من القصيدة " :
رغم هذا.. ربما لا تدركين أني أحبك\ كان علي التمرغ طويلا عند باب المدرسة\ كمراهق لا يجيد رسم شيء\ غير قلوب مثقوبة وأسماء مليئة بالأغلاط الإملائية\ ك اسمك مثلا"
ص68-70 (قصيدة على سبيل الحب).
. "التأويل في القصائد"
يشعر القارئ بوجود مبالغات لغوية مقصودة في بعض القصائد وتأتي هذه المبالغة من ثقة الشاعر بإن القراء يشبهونه في التفكير والمشاعر (لا أعرف لماذا انسى صوتي كلما سمعت سقسقات العصافير وهي تغرد اسمك كاملا)
و(حين يخذلني النعاس وأنا أكتب لك او عنك\ الحب يا صغيرتي\ أن أكون بركانا يحمل احتراقاتي وغضبي القابع في\ منذ أول لقاء بيننا)
و(منذ كنا نمرح سوية عند القشلة\ حين رمينا أحلامنا البريئة في النهر\ الذي يبعد عن بيتنا مقدار احتضانه وقبلة)
و(كان علي ارتداء الجينز كلما خرجنا سوية\ نقشر غلاف المساءات الحبلى بالحنين\ وأن اترك ربطة العنق التي ما زالت تخنق في كل مشهد من مشاهدك البريئة\ وان أخبرك دائما أنك امرأتي وحسب\ كي أسكت فيك الطفلة التي تصرخ بوجه الريح\ وأن أخبرك بأن الابيض الذي ارتداك آخر مرة\ كان أنيقا، أنيقا جدا).
. "الخاتمة"
لغة المرواغة واستعارة الصور عند الشاعر (احمد حميد الخزعلي) تنبثق من الذاكرة المرتبطة بالتأمل، هو يفتح افاق في فضاء واسع للقراء للمشاركة والتأويل ، قراء القصيدة بقدر ما يشعرون بالسعادة لكنهم يشعرون ايضا بالحزن وتصل اليهم معاناة الشاعر واغترابه، قصائد نثرية تعانق الموروث لصناعة كلمات تحمل معاني عميقة.
"المصادفة يا صغيرتي..
أن أرى سنواتك تنضج قربي فاكهة صيفية / وأنا صيام رغم اجتياح الليل"
ص82 قصيدة( وجوه ملونة)