هذيان على نوافذ العيد
عدنان الفضلي
حمى العيد تجتاح أوردة البعض ، تضج الصالونات بالنساء ، والحانات بالسكارى ، وتضج روحي بافتقادات عدة . أتطلع إلى المساء ، وبطء الأثير الذي تمرد على نعمته ، يغالبني قهره . يشتم بي هواجسي التي تسرعت في لهاث ، أمسى عويلاً وبكاء متدحرجا نحو الوسط ، اخالني ألان اشدّ شعري وأصكّ على طواحيني . كما المنزعج من صرير يمر بإذنه ، كما حمامة عادت إلى عشها لتجده وقد صار خرابا ، أتمنطق بالصبر الكاذب ، مع إني اعلم إن لا صبر تمتلكه روح نزقة اعتادت أن تغمز أنانيتها إلى افتعال بياض مستتر وراء دوامة من قلق ، حمى العيد .. إيه يا هذا التاريخ المخصص للاحتفال، سأشارك فيك الاحتفال ولكن وفق طقوسي، سأجهز أوراقي وقلما اخضر اعتدت الكتابة به ، سأجهز طاولتي المستهترة بكل شيء ، سألقمها زجاجة بيضاء تضم سائلا حليبي اللون بعد الامتزاج بالبرد ، سأحوطها بأشياء مدورة أو مثلثة ، سأملأ تلك الأشياء بحبات رمان جفت تحت وطأة انقطاع التيار الكهربائي المزمن ، سأبدأ عبثاً ينطلق من ليلتك أيها العيد وسينتهي بليلة تتبع آخر ليلة من ليالي مسافتك الاحتفالية . سأكتب .. نعم سأكتب فلاشيء يطربني غير الحروف المموسقة بلحن شجني تعلمته من (غجري اعور) نادمني ذات مساء في أحدى حانات ( جرش ) ، سأستحضر أرواحاً عدة وأسماء عدة ، اتركها تستقر كما نصف دائرة تحيط بأشيائي المبعثرة على تلك الطاولة . ساتناولني كأساً تلو الآخر ، وأراقب في نظرات عجلى الأرواح التي استحضرتها ، سأصور بعدسة العين ، الابتسامات التي ستفترّ من شفاه تعيشني لذيذاً وحسب ، وسألتقط صوراً أخر ، لوجوه تحمل بداخلها حزناً وشجناً وهي تراقب العيد يقطع أوصال سحنة روحي التي ستتلبد برؤية هواجس الذاكرة المعطوبة . إيه أيها العيد .. إيه يا أنا .. أي تباشير موت مؤجل يجتاحني ؟ مالها زجاجتي عاقر ، لا تلد لي سكرة ولا ترنح ؟، ما بال إحساسي لا ينسجم مع طقوس معدة بعناية فائقة ؟ ، مالي أنا لا أخمن أسعار اللذة ؟ أتراني أعيش زمناً آخر لا يتلاءم وحجم الفجيعة التي تحتويني ؟ أيمكن إن ما ضيعته قد ضاع للأبد ؟ إيه أيها الاحتمال الآخر للقدر ألن أجدني بعد كل تلك الطقوس ؟ يااااه ... متسع أنا لوشوشات غير مفهومة ، لكفوف تضع سباباتها في حدقة عيني . وربما ستصفعني ذات انفعال . وعندها من الممكن أن أجد بعضا مني في دوامة إحساسي بالوجع أو بالإهانة أو ربما بالسخونة . يا أناي المتعبة ألا يمكن أن تكوني ضمن طقوسي ( العيدية ) ؟ تعالي لنجرب أن يقتل بعضنا الآخر أو ليمارس بعضنا الآخر انفعالات مختلفة ، لنشرب أولاً نخب هزائمنا المتكررة ، ونتبعها كأسا نشربه نخب من رجّ في الظلام تخبطنا ، وسقانا مرارته هروبات متكررة . تعالي .. سأعلمك بعض طقوس تشدني إلى خارجك . ربما استعيديني منك لأعود إليك في ليلة عيد آخر سيأتي ذات شتاء . يا للعيد إلى أين تجرني ألان وأي هذيان هذا الذي أنا فيه ، أي وسائل محتقنة تحمل ، لتجعلني انسكب بمثل هذا القيح من الكلام ؟. ابتعد أيها الهاجس المتوترْ ، دعْ لي وقتي ينتشلني من انفعالات لا اعرف سببها . دعْ لي حياة ما تعودت التدخل بثوانيها أو دقائقها أو حتى سنينها الموجعة . دعني فقد اعتدت أن اعيشني كما أنا ، ولا رتوش أضعها على صور الدنيا ، دعني فربما جاء العيد يحمل ما يسرني فاحتضن أناي على سبيل المثال ، أو أقيم أمسية شعرية في ساحة امرأة تعشقني حد الهوس أو أرتبني لهذيان على نافذة عيد سابق.