recent
أخبار ساخنة

قراءة في قصيدة( لم أستعرْ وجهاً) للشاعر العراقي عبد السادة البصري

ما كتبه الصديق عبدالرزاق الخطيب ،،في جريدة البيّنة الجديدة ،،، الأربعاء 26 آيار 2021 ،،، محبتي له وللصديق احمد البياتي ولكم ،،

قراءة في قصيدة …  (( لم أستعرْ وجهاً  ))      للشاعر عبد السادة البصري  

* عبد الرزاق الخطيب

  1- (وجهك… لون الحنطة ) 

أقفُ مشغولاً بالأقنعة .. بياض الغلاف للديوان يمنحني ويفاجئني في الوقت ذاته بعبارة خطّت بلون احمر ..  وما كانت اعتذاراً ، أو ردّاً على أصابع التهمة .. البصرة تعرف عبد السادة نقياً بريئاً ،   متّهماً بالطيبة والانحياز إلى الفقراء ،  وهو أشدّهم فقراً !! 
العنوان ترتيلة براءة مما علق بالوسط الثقافي خاصّة من شوائب سمّوا أدباء أو شعراء ولم يكونوا إلاّ أبواق صدئة .. 
بالبياض وحمرة الدم يواجهنا الخراب الذي يتبرّأ منه الشاعر -- لم أستعرْ وجها --  والإهداء كُتب لي وقد استوحاه من قميص العنوان
 ( عزيزي الخطيب .. وجهي الذي تعرفه دائما ... بلا رتوش بين يديك ) !!
وكلّنا يعرف عبد السادة .. لم أره بغير وجهه ملطّخاً بالقلق ولم يشب محياه سوى سمرة البصريين
شكراً لك أيها البريء حدّ الطفولة والمشاكس حدّ المراهقة والعاشق حدّ الفيض في متاهات العبارة
ها أنت ناصع بلون حنطة الجياع ننصت لك ونرى وجهك مشرقاً بالحبّ ولم ترتد أقنعة الهازجين بمؤخراتهم في طقوس الموت !!
النص الشعري : -  لم أستعرْ وجها /  ديوان الشاعر بذات العنوان / إصدارات دار الشؤون الثقافية ، وزارة الثقافة عام 2015 

أولاً  : -  المدخل / 
 البدء يدخلنا في ارتباك وقلق .. النقاط تشتغل عن مسكوت غير واضح المعالم تأتي بعد فعل أمر ضاغط (  تعالي.. ) مراوغة لمن هذا النداء في مستهلّ النص .. ولِمَ الصوت يظلّ حتى بعد الانتهاء من النداء ؟  النقاط .. أهي صدى أم هي صرخة ما تزال تبعثر وجعها في فضاءات أوسع ؟؟
 من هذا الإنشاء الطلبي الراسخ بالأمر ينفتح النصّ على مسلّمات الواقع ، جمل فعليّة تتفيّأ تحت أفياء الصوت الأول  ،  مسافة شاسعة بين الصوت المغادر حنجرة الرغبة والصوت الذي ينقّب في واقع الحال
.. ( نبتكر لأفراحنا … ننشر أسماءنا … نلوذ بأسماء … نمشي على الجمر .. ونحرّك ما بداخلنا … ) 
راهن يأخذنا إلى مدلولات أكثر فزعاً . يخرج من معطف الأنا  يدخل الجميع بضمير الصحبة الجماعية الضمير .. نا ....  هذه الخماسية من الأفعال المضارعة والتي جاءت بصيغة الجمع .. اشتغال للتنقيب عن هفوات الزمن الرديء . الابتكار خلق ..  الانتشار خلاص من الضيق ..  الملاذ بحث عن الطمأنينة . المشي ابتغاء درب ما .. الحركة تحريض واضح .. هذا الدوران الذي يتخلى عن الواحد إلى حيّز الكل يكشف لوعة المنادي ويضعنا أمام طلب الغوث ،
الكلّ يطلب غوثاً . والنصّ هنا يبني معماراً آخر يدخلنا في شعرية لذيدة
والعبارة تمشّط جدائل القنوط وما بين مرارات الواقع ورغبة النداء بفعل الأمر
يأتينا النداء بحرف النداء متبوعاً بفعل الأمر الأول
وهنا تجرح العبارة حنجرة السؤال . وندخل في اشتغالٍ جديد يطلقه التوهّم أم الرغبة أم الضيق
فيقول النص بهدوء واضعاً أولى خطواته في المجهول
(… أيتها اللّا اسميها .. تعالي…. )

ثانياً : -  التحولات ،،،

الجملة الاسميّة أكثر ثباتاً في الزمن المَروي  تشتغل على ثابتٍ لا مقدرة على زحزحة راهنيته التي تترك آثارها اللعينة بين أيدي الأسئلة التي تذهب إجاباتها في حوانيت الرمل وعلى نعوش الموتى  أو سنوات عمر أكلتها الشظايا هذه المدوِنة التي حولّت مسارنا من فاعلية الحال في النص الى جمل اسمية واصفة يعيدنا الشاعر فيها  الى استغاثة المحروم أمام هذا الراهن المميت حيث 
ندخل الحرب.. ( فشمس الحجابات أكلت أحلامنا.. ) العطف بحرف الفاء لجملة فعلية لم تترك لنا استراحة ، قدّم فيها الاسم لنجد الشمس تأكل بلا مبالاة الأحلام وقد التهمت كلّ واقعنا تماماً . تكرار لفظة شمس بحرف العطف للمصاحبة هي ذات الشمس التي تعلن زمن الحروب .. حجابات ..  سواتر وليس إلاّ الشمس شاهدة ومتهمة بسرقة الأعمار
الاستفهام يزيد الحيرة …(  هل من ملاذ ؟ )  ،،، 
كلّ هذا العراء يكشف عن ضيق المكان ، الإنسان يصاحب الرمل خوفاً من شظايا الحرب ،
( تعالي… )  فجيعة اللاجدوى 
ويبسط النصّ ذراعيه باثاً الشكوى الكبرى
( قميصي استعاره العراء … )  القميص مأخوذ ولم يعره صاحبه .. القميص مسلوب وليس مُعاراً
داخل النص يكثّف القهر بين متناوب الذاتيّة المفرطة في الوجع ،  ويفتح نافذة الخارج ليرى من ثقب القلب هذا التراكم المتخم في حروب دائمة .   في هذا التحوّل الأول الذي دخلناه بحرف العطف أحالنا إلى حقائق أخرى تكشف ما يجري في دائرة الدمار  ، ولا يملك النص إلاّ سؤالاً هامساً وقميصاً أخذه العراء عنوةً ، ولم يبق سوى عُري الموتى وعُري الأحياء !!!

ثالثاً :-  رغبة الجسد ،،،

في زمن اللعنة تكون حاجتنا ملحّة إلى ملاذٍ نجمع فيه أشلاء التمزّق والضياع ،  ينحرف النصّ إلى بوصلة الجسد بعد أن أعيته  مصابات الروح …  يأتي الرابط بحرف العطف الواو ، ولم يتبقّ من كائن النص غير الجلد .. باثّة دلالية تخرج العين إلى فضاء ما تحدثه الحروب وسلطة القمع ،
الحلم بالتعرّق رغبة جسدية ، منافذ للخروج من خراب الروح والتشبّث بالحياة ، ولو عبر جلد يبحث عن مسامات ،، ( … وجلدي يبحث عن مساماتٍ أكثر تعرّقاً… ) 
حصار يحشر الوجود في قالب التأزم ،  البحث عن منفذٍ من هذا الدمار والخلاص من القبح ،،
الجسد يصرخ تاركاً تورية الحياء .. دافعاً الرغبة الى عتبة النداء (
..أيتها الشرقيّة ،،،  الهنديّة ،،،   الجنوبيّة حدّ المتاهة .. ) 
ليس هناك ابتعاد  أو مواربة ،، لم يختلق مساراتٍ عرجاء ،، تحدّث بعلانيّة  ،، بمواصفات امرأة جنوبيّة
،، وتحديداً بصريّة الانتماء والملامح ،،
كلّ هذا التدرّج الدلالي في مخطوطة النص ،  لم يكن هناك تحوّط عن إعلان العشق  ، ولم يتلثّم بأقنعة ،،  التصريح مذهلاً ،،   وكاشفاً ،،  وطالباً امرأة يتوسل حضورها ،  بصريّة تسدّ في حضرتها ثقوب النزف !!
يدنو النص من وصف المعشوقة ،، يترك الخارج ويلوذ بالعبارة الحميمة مطرِّزاً على حلاوة الأمنيات إكليل البهاء ،،
( ادعوكِ ،،  
لتكتملَ سهرةُ الأمنيات ،
على طاولة الفرح الطفوليّ ،،
على وترٍ مربوطٍ بنياطِ القلب.. ) 
لم يأتِ شرساً .. لم يكن معطوباً  سليماً يدخل حضرة المعشوق  .. ليعزف على أوتار الجسد أغنية الروح العاشقة !!
مفارقات النص منذ الاستهلال لا تتنافر ، وإنما يطلّ التوافق بين الأنا والضمير الجمعي ..نا ،، ثم الخارج بما يحمله من عفنٍ ، ولكن النص يستوقف القارئ ليريه بهجة القلب ومسرات العشق ... يأخذنا بخفة إلى مساحة العشب ،الى مساحة الأمنيات ، إلى امرأة بصريّة على ملامحها تورق سنابل القصائد .
google-playkhamsatmostaqltradent