recent
أخبار ساخنة

قراءة في قصيدة ( نافذةٌ إضافية ) لـ آية ضياء ، بعنوان: ذاكرة الجسور، بين المأمل والمنفى ‏بقلم ‏عبد ‏الرحمن ‏المكتباتي

غير معرف
الصفحة الرئيسية
لماذا ذاكرة الجسور بين كل مرامي القصيدة؟ 
ببداية القصيدة، عند نداء الأبواب الضائعة، بأن القلب صالح لأن يكون مفتاحًا، وبنهايتها بتشبيه الموت بالطائرة الورقية، التي تحلم بالطيران، نجد ثمة منفى بمعنى المأمل "تأمل البداية"، وثمة أمل بمعنى النفي "تأمل النهاية"، إنه لربما ما ميز فوكو أنه قد اهتم بالمهمشين، وفي زمن أصبحت المشاعر فيه مهمشة عند أناس كُثر، ومذبذبة كمشاعر المصاب باضطراب ثنائي القطب، فإننا نجد أن آية قد اهتمت أيما اهتمام، بأن تؤرجح النص بين هذين الوجهين من أوجه الحياة الكثيرة، لتعطي الثبات لنفسها وللقارئ قبل النص، ولتزمهر الهواء بعبق من نسيم أيام الربيع، لا يدري أحد أعاصفة هو أم حفل استقبال، ولكنه يبقى أمرا مثيرا للفضول، وما أثار الفضول ساعدَ النفس على البقاء تتنفس!.

أيتها الأبواب الضائعة
قلبي يصلحُ أن يكون مفتاحاً
لكل الأيام التي تتأخر
للصناديق التي علينا أن نحيا خارجها

هنا تصف قلبها بأنه صالح أن يكون مفتاحا، والمفتاح هنا قد يفتح أبوابا تجود علينا بوجه صبوح، أو أوجه شمطاء مقبورة، غلب المنفى على بداية النص لكون الشعر يبدأ به، لأن الشعر منبعه المآسي، حتى شوقي في بداية "نهج البردة" ابتدأ بقوله:
ريم على القاع بين البان والعلمِ

ثم قال:
أحلّ سفك دمي في الأشهر الحرم

وكعب بن زهير:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

إذن فهذا عنصر أساسي اجتمع عليه الشعراء، ثم تذكر آية أن القلب صالح لكونه مفتاحا، للأيام التي تتأخر، وللصناديق التي علينا أن نحيا خارجها، تأخر الأيام رمز -كما أرى- لكل رغبة تضمحل ونكون بحاجة استخراج أي رغبة أخرى لتحل محلها، لا أن يسيطر المنفى، ولكن يسيطر المنفى، أما الصناديق التي نحيا خارجها، فهي طريق النجاة من هذا المنفى، لأن النفس البشرية عندما تعتاد الحرية، فلا تتقيد بشعور مؤذٍ، بل جل اهتمامها ينصب على الطمع في مزيد منها، فأرى أن آية تضع أساسات النجاة من المنفى، بمفتاح -هو القلب-، عندما يصفو.
للبيوت المركونة علىٰ هامش البشر

وبعد أن ذكرت المنفى وعلاجه، جاءت لذكر الأشياء التي تحتوينا وننكر فضلها، تزدرينا فنعبد اسمها، إنها البيوت، وبهذا التوازن بين الشطرين في هذا الشطر، نجد المقطع قد أصبح آيلًا الاكتمال المعنوي، وللزرع والشحن الشعوري.

أيتها الأبواب التي ضيّعتنا
ها أنا خطوةٌ بيضاء
تحملها ذاكرةُ الجسور
وتعبرُ بها الىٰ الجانب الآمن
كي لا تنقطعَ أحاديثُ النهر
كي لا تأكلني الوحدة
بشراهةِ جمعٍ جائع

وهنا وبهذا المقطع أرى أنها تختصر كل ما ذهبتُ إليه من تحليل بجمل تحمل شاعرية كبرى، فيها ميتافيزيقيا الإحساس "بعبارة كرين برينتن صاحب كتاب تشريح الثورة"، أن نثق بالخطوة البيضاء، لمجرد إحساسنا بالوثوق، رغم أن هذه الخطوة، فيها أمان ما، إلا أن ميتافيزيقيا الإحساس تخفو في نهاية المقطع، لأن احتمالات العقل تبدأ في البزوغ، بأن تنقطع أحاديث النهر، فلا نجد مؤنسا، بأن تأكلنا الوحدة بشراهة جائع، فلا نعير للبشر اهتماما، لأننا قد وصلنا لنهاية المطاف مع حرب خاسرة.

أمسنا الذي نامَ علىٰ رصيف الشارع
مازال يحلمُ بنا اليوم
يمسكُ بيدي
بحبلٍ يربطهُ بالغد
يغني كثيراً
مثل حربٍ لا تدري ما الذي مات فيها
يُشيّعُ كل القصائد الحزينة
للعدم الباهت
ولا يحزن أبداً
إذا ما تخلّفَ الغدُ عن المجيء

بعد أن أكلت الوحدة الذات، لم يعد الأمس المؤسس للوحدة، والراعي الرسمي لها، يحزن عند عدم مجيء الغد، لأن الأيام أضحت متشابهة في عبثيتها، متسامية بالآن ذاته بلا-اكتراثها، كما أنه عند المخرج غوادور: الأطفال سجناء سياسيون "بتعبير جيل دولوز"، فعند آية كل البشر يخضعون للسجن، ولكن سجن الذات الذي ولدته السياسة أو تولدت السياسية منه، لا أحد يدري.

المقطع النهائي هو أهل لدراسةٍ على نهج أسس عبد القاهر الجرجاني في "دلائل الإعجاز"، مزمع أن أفرغ له وقتا، فنجد تناغم اللفظ مع ظل المعنى وضلال الطريق، قد اجتمعوا في مقطع واحد، وهذا ما يسمح للنص بالسمو لأقصى درجات الشاعرية، وأفضل سماءات الحرية الآنية، التي تعزز اللحظة، وتنفلت عن الماضي والقادم، زاهدة فيما سيأتي، ناسية ما قد مضى!.

بما وراء الحاسة السادسة
أتلمسُ الأشياء البعيدة
كرجلٍ أعمىٰ بعصا صغيرة
يعرف كل الطرق التي تؤدي الى روما
وكل الطرق التي تأتي منها
لكنه يقفُ في مكانه
كشجرةٍ سعيدة
ومثل كلمةٍ تقول كل شيء
بلا ورقةٍ أو صوت
أتشكّل
أزرعُ في رأسي حلاً
أحتفظُ بكل الصور الملونة
بالضحكات التي تبني عمراً
بأغانٍ تشبه وجهي 
بكل الذينَ يعرفونَ الحُب
ولم يرتحلوا لأرضه يوماً
أُلملمُ مساحات الإنتظار الفارغة
أنسىٰ السماء التي ستغادرُ يوماً
أصنعُ غيمةً بجناحين
أتنازلُ عن البدايات والنهايات
أفترضُ بأنني لستُ هنا
ولستُ أنا
وأن الموتَ طائرةٌ ورقيةٌ
ربما تحلمُ مثلي بالطيران.

ونهاية المطاف، كانت تحوي المأمل، الذي ربما قد يؤول لطريق مظلم، فهذه هي احتمالات العقل التي تضني، وهذه هي الشكوك التي تملأ النص، ولكن لا نبالغ إن قلنا شكوك يرميها بعيدا التجاهل، فيعطي الثبات الذي ذكرتُه آنفا والذي ميّز القصيدة.
google-playkhamsatmostaqltradent