recent
أخبار ساخنة

قراءة تحليلية في النص الشعري: من غيمة الخيبة أحوك، لـ الشاعرة هُدى مُزهر بعنوان: فضول الذات نحو الشعور المعتّق

غير معرف
الصفحة الرئيسية

لماذا فضول الذات نحو الشعور المعتّق؟ بسبب أن الذات كسولة بطبعها كما أسس لذلك الفيلسوف راسل، الشعور بالآنية أمر مضني، أما النزوح لمشاعر أصبحت تشكل الجزء الأساس من يومنا وسكوتنا، كلامنا وأوهامنا، أمر أكثر سهولة، وينطلق بالنفس إلى هاوية مربكة، لكن في النهاية إن من أحدٍ إلا واردها، لحظات الخجل من الذات والبكاء على الأموات ألا تعني شيئا؟ إنها ببساطة ترتمي تحت سهام العجز، دون أن تدري أو أن تكون لها حرية الاختيار.

من غيمةِ الخيبة أحوكُ
أصدقاءٌ قدامىٰ، 
أحوكُ،  فينمْلص المغزل

تبدأُ النصَ وهي رابضة في عرين الخيبة، في سماء تشح بالغيوم، إلا غيمة من براثن الخيبة وأكاذيب الدماغ، تعاود حيلتها -التي هي كما تبدى لي- ركون الذات لتأسيس المقطع الشفوي للحظات من من القوة تزدهر لتتركنا بعد بضع ثوان نتساءل عما حدث لها، وأين ذهبت، فإذن تعاود الحيلة بأقلها حيلة، لأنه لا مفر من ذلك، ولا طريق لسلوكه تنبعج منه أمارات سماء لا تبخل علينا بغيوم

علىٰ وسادة الصحراء أسند ظهري
لا فكرةً تفلت إلىٰ ازدحام عاصفة البال
وتلاحقني، 
تحدُّ أقلامها لحفرِ خطٍ جديدٍ 
فوقَ جلدٍ تقوّسَ نخيله..
من اتّكاءةٍ قديمة 

يطرح أوترام صاحب كتاب "التنوير" السؤال الأهم الذي شغل أوربا في ظل محاولة التحرر من سلطة الكنيسة، وهو: ماذا بعد الكنيسة؟
إن كانوا قد أجابوا عن ذلك السؤال، فهدى تطرح الموضوع الذي لا يجاب عنه: ماذا بعد الهاوية المضنية؟
الإيقاع في قولها: لا فكرةً تفلت إلىٰ ازدحام عاصفة البال
وتلاحقني، إيقاع يؤسس للنظرة التي تقول أن الرتابة الموجودة في حياتنا هي ظلٌ ملازم لنا، وليس علينا من تثريب في ذلك، لكن الصلابة في المواجهة، مواجهة أن لا حل مع الهاوية إلا التعايش، ورفع الأسباب للعقول، الأسباب التي تجعلنا من الممكن أن نصدق بديهية ديكارت لكن بتلاعب لفظي يقول: أنا في الهاوية إذن أنا موجود.
والجلد قد تقوس نخيله كما تقف شعيراته عن الوجل، الترقب التام في الهاوية رغم أن لا شيء أسوء منها، هو الوهم المزعج.

منهزمٌ مرة أخرىٰ
دون وجهٍ،
دون حواسٍ تتفقد ما إذا كان
هناك للشمس إنعكاس
أو  نهاية،
أيةُ نهايةٍ؟
أيُ محضٍ يسحبني من ضالةِ غيري؛
سوىٰ كلب كهل
ترك البحر ليرشد العمىٰ المُعتكز
نحو وجهي الذي دقّه عابرٌ
مسماراً في الرمالِ البائدة،
كيف سأجدُ ما أنفلتَ بالكثبانِ..
والصحاري للجدرانِ فقيرةٍ !

مستقرةٌ عيني في ساقين
تثير ريب الجبل المُعلق
فيقهقه ناراً من أعاليه
لسيريالية المشهد،
ظنه أنّ هذا العبث الذي
في ملامحي سيريالية،
عيني التي عاينتْ رأسي مُستريحاً قدماً علىٰ قدمٍ 
دون ملامحِ جسدٍ
سقطتْ منه لأرضي،
رأسٌ مُتخمٌ يأخذُ قسطاً من السنين
فوقَ كرسيٍّ مُجعد من كُثرِ جالسيه،
يخمدُ براكينَه المُنفجرة ضَحِكاً
وجبلٌ أحمق يتطلع بسُخفٍ هُناك.

لماذا الجبل المعلق؟ إنه إسقاط -بنظري- على كون أعتى الراسيات معرض لأشد قلق الأمسيات، فهو يقهقه نارًا من أعاليه ظانًّا أن هذا العبث في الملامح سيريالي، وهو لا يدري أنه حتى السيريالية قد خاضت التنظيم الذي فيه معنى من البعثرة، إلا أن الطريق الذي ترويه هدى ليس فيه كوصفها لرأسها: "مستريحا قدما على قدم، دون ملامح جسد" غابت عنه كل الأسماء التي يُنعت بها، وسيطر السؤال المزمع إرهاقنا: إلى أين؟

نهاية القصيدة تحوي صيرورة ذاتية، تخرج منها اهتمامات بمعانٍ قد تعطي معنى للطريق الذي ترويه هدى، فهو طريق بلا ريب، لأن هناك قدم تسير، وأخرى تعاند المسير، ربما هذه رمزية العناد تبدت في قولها: "لئلا نمشي والليل يبللنا"، الليل ليل شجن، والمصيبة إن تحول لغير ذلك فهذا ما لا تحمد عاقبته، فأصبح الليل طرفا في العناد لأن البلل يُثقل الجسد، فكيف بهشاشة الذات؟

احتاجُ رأسي لأجني
ثمارَ شجرةٍ أزرعها
بموسمِ الأحتياج للرؤوسِ كل صباح،
علىٰ طاولة الفطور
طاولة الاجتماعات،
طاولات المُجاملات
في صباحِ يوم الأحد
عند مفترق الطرق
فوق الجسور، 
فوق المباني،  آخر نهار الخميس!
بِكَراتين مُغلفة أمام أبواب الشقق المُستأجرة
لكل فردٍ خمس رؤوس؛
لئلا نمشي والليل يُبللنا
في وضح النهارات
لئلا نمشي رافعين بأيدينا بيوت جداتنا،
ولئلا يُخيّل من خلالنا للأمهات
طفولتهن تمشي بقدمين
google-playkhamsatmostaqltradent