recent
أخبار ساخنة

قصيدة النثر " القصيدةُ الحُرَة " : استدراك بالتسمية اللائقة . عدنان أبو أندلس

قصيدة النثر " القصيدةُ الحُرَة " : استدراك بالتسمية اللائقة . 
عدنان أبو أندلس .
            ليس بوسعنا أن نجذر تأصيل قصيدة النثر من نشوئها وحتى الوقت الحاضر ، لأن الموضوع قد يطول ويتعقد ، وقد نخفق في مسيرتها من حيث نشأتها القلقة ، أو ربما باستقرارها المُتأرجح الآني . 
      وفق هذا المُستهل علينا أن نقول ؛ فقط ، وحسب ما نسمع ونقرأ عنها ؛ هُنا وهُناك: لم يمر جنسٌ أدبي بإشكالية التسمية ؛ مثلما مرَت به " قصيدة النثر" منذُ نشأتها القلقة ، وحتى اللحظة ، وهي تتلقى الطعنات مروراً بمسيرتها غير المستقرة طوال مئة عام من التقريع والنعوت التي أطالتها من قبل مريدو الأجناس الأدبية الأخرى ، حيثُ راحوا يكيًلون لها التُهم والمثالب التي لصقوها بها ، لا لشيء ؛ سوى فقط خروجها عن طاعة الوزن الخليلي ، وعنونتها الثُنائية المتَضادة " قصيدة نثر " لكن حسب قول " سقراط : " إن الشعر يبقى شعراً ، حتى ولو كان بدون وزن " علماً بأن الشعر " المنثور" يلتزم القافية دون الوزن ، وكذلك الشعر " المرسل " هو الآخر يلتزم الوزن دون القافية ويلحق بشعر التفعيلة ، ولم يواجهان تلك الضجة لا بالتسمية ، ولا في جنسيتهما ، بل تقبلوهما أو قبلوهما دون إشكال ما . لكن الهجمة يبدو قدْ اقتصرت على " قصيدة النثر " حصراً ، دون سواها لكونها غريبة عن دائرة " التَجذر " التأصيل المكاني" الشًرقي " ، لهذا أطلقوا عليها من أنها خُنثى ،وانكسارية ، وهجينة ، ومضادة ، وخلاسية ، وجنس رابع ، وأرستقراطية ، وحمراء ونعتوها بالتصغير من أنها " نُثيرة " لا ترتقي إلى الشعر ، وأردفوا لها صياغة " شنر ، شعنر" وأنها متمردة وخروجها عن سلطة الواقع الماثل شرقياً ، لكن متعاطيها يعتبروها مثل " عين الماء السًحرية التي تفور وتخلق فقاعات صحية تنفجر في الحال لتعالج الالتهابات الزائدة و الساخنة في جسدها " وأرى بوصفي لها : هي تشبه عروس متمدنة زُفت الى قرية نائية ولاقت ما لاقت من خشونة الأطباع هُناك ، كيان انصهاري يذوب حين تكمل قراءتهِ ، فالشكل والمضمون يبقيان على حالهما في حالة تغيير " العنونة " التي سوف تكون " القصيدة الحُرَة " لأنها بهذه التسمية قدْ نتجاوز إنهاء السجال القائم بالتقريع وعدم الاعتراف ، ألا وهو الاشتباك ما بين الشعر والنثر وهو " علًه العِلَل " وقد تكون " تحصيل الحاصل " بالخلاص من المعضلة المستعصية . 
             وقد ندرك تماماً من أننا سنواجه باعتراض شعراء التفعيلة – الشعر الحُر " من إطلاق هذه التسمية كونهم يتسمون به دون غيرهم بالرغم من تكبيلهم بالضوابط الخليلية الصارمة . فبتسميتها الجديدة نراها تواكب المضمون " والبحث عن أُطر جديدة تستجيب لاشتراطات التَطور وحركة الواقع " ، فبناؤها فنياً ذري ينمو من الداخل بأعضائها الحية من الهمس صوتاً، وحين تقرأ لا نكاد نسمعها إلا في دواخلنا ، لا تقبل الصراخ والحماس كونها غير منبرية كما في الشعر العمودي وما يسايرهُ ، هي المتمدنة التي تواكب العصرنة ، لعولمتها وكونيتها و لسهولة ألفاظها الحديثة كافةً ، وحروفها الهشة المرنة اللينة نطقاً وموحية بذبذبات تواصلية ، تشبه صوت أجراس ترنُ من بعيد ، أو مثل ندف الثلج الذي يتهاطل ثم يذوب سريعاً حال ملامسته الأرض ، سطور تتناقض مع بعضها حتى تُمحى . هي المتحررة من ضوابط تتحكم في آليتها ،هي التي نشأت وترعرعت في بيئات متمدنة ، مركزها المدينة ، والذين ينفرون منها هم على الأغلب من الأطراف البعيدة عن مراكز المدن وتنوع المكونات ، هي بصفات تميزها عن بقية الأجناس الأخرى ، صورها المتناثرة ، وإشاراتها المتباعدة ، ومن خصائصها المستقرة " الإيجاز ، التوهج ، المجانية " ، نموها الهش الرخوي لا يقبل القياس أبداً ، كل عصر وهي في حلة جديدة ، إضافةً إلى شكلها السريالي المحبب ، لكن ليس لأحد من صلاحية أن يتجرأ ويصوغ لها قوانينها ، وهناك دائماً من سؤالٍ يُطرح كل حين ؟... لماذا يصُرُ البعض على التشبث بتحديد وتعريفات لها ، في حين نراها ترفض أن تنطوي تحت أي تعريف ما حتى أن مؤسسيها أحجموا عن ذلك ، ولم يستطيعوا أو يريدوا أن يحددوا لها ضوابط صارمة ، بل أبقوها منفلتة والحبلُ على غاربها ، متحررة و" على حل شعرها " هي " شابة لا تشيخ بل تنضج كلما تقدمت في السًن " لكن بوصف آخر مختلف من قبل أحد النقاد ايضاً بقولهِ : " لقد بلغت شيخوختها في شبابها ". فـ لرصانتها يلاحظ بأن " الدال " يبعد عن " المدلول" بأقصى ما يمكن في التوظيف فلذتها هو تقبلها من قبل النخبة في تشظيها وتفجيرها ومفارقاتها وألاعيبها ، حتى بتوظيفها " أضحى لون الحليب أسود ، ولون القير أبيض " . هي المشاكِسة بتحبب ، وهذا هو سر تعلق شعرائها بها حتى اللحظة ، وإن التشكيك بها هو جزء من حيويتها وديمومتها . 
 لذا أُبارك خطوة الشاعر " فائز الحداد " ومشروع تسميتها بـ " القصيدة الحُرَة " بحلتها الجديدة وخصوصية صفاتها ، كي تكون جنساً مستقلاً ومتحرراً من التوابع . علماً بأن مسمياتها العديدة قد مرت بتعثرات عديدة لم تستقر على حال وخلال سنيها المئوية ، بما تقتضيه هندستها المعمارية وبناؤها الحالي الرصين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
google-playkhamsatmostaqltradent