recent
أخبار ساخنة

أحمد الحلي ... بقلم ناهض الخياط

أحمد الحلي
**********
بطبعة ثانية ، يقدم لنا الشاعر ( أحمد الحلي ) مجموعته الشعرية ( تهجيات ) عن المركزالثقافي للطباعة والنشر| بابل سنة2014، وقد تعهدت بطباعتها ونشرها دار (شمس للنشر والإعلام) \ القاهرة . صمم غلافها الفنان ( خوان ميرو ) بخطوطها وألوانها البسيطة المرمّزَة ، لتتختزل أبعاد مضمونها ،وفتح بابها من خلال عنوانها ( تهجيات ) ، ولوحة غلافها ، وقصيدتها الأولى
( طلسم الحروف ) بمقدمتها ( على فمي ترقصين \ بسملة للحب وطا وسين ) ، ومقاطعها التي أقام بنيتها على توالي الحروف لكلمة ( عذراء ) :
العين : عينااك الواحة المرواغة
وأنا التائه في عمق الصحراء .
ثم مقاطعها الأخرى المشكّلة بداياتها من الحروف ( الذال والراء والألف ) ، ليؤكد عشقه لحبيبته ، منوّها بجمالها ، وقوة تأثيرها ، كما في مقطعها الأخير :
أهمس للريح العاتية
( قلبي يهواها )
يتضاءل جبروت الريح
وتهبّ عليّ نسائم ْ !
لقد استطاع الشاعر إبهارنا بهذه القصيدة الغزلية بما لم نألفه في قصائد الغزل عبر تأريخها الطويل ، فإن ما يكشفه لنا تفكيكُ طلسمها عشقَه الصوفي لصفات قلّ نظيرها ، ففي المقطع الثالث منها ، والمشكّل ابتداء بحرف الراء من ( عذرائه ) يظهر لنا الشاعر بخياله متمنيا شرف الشهادة كالإمام الحسين :
الراء : رأيت في حلمي
أن ثمة سيفا يهوي على عنقي
وأن ثمة رأسا أطوف به
فوق رمح أحمله
إن هذه القصيدة لا تعكس لنا جهد الشاعر في إضفاء الصفات العرفانية والصوفية على مكابداته الشعرية في تميّزها فحسب ْ، بل تعكس لنا بوضوح تأثره الثقافي الواسع بمعطيات التراث الأنساني في حقوله المتنوعة ، فلقد حفل العديد من نصوص مجموعته بمؤثرات الفكر الغيبي والعلمي معا !
 
الاسم ( كوثر ) ، لا يمكن نقلهما إلى لغة أخرى .
أما نصوصه الأخرى ، فقد كتبها بأشكالها المألوفة ، متوزعة بين القصيدة القصيرة ، والمقطعية ، والومضة الخاطفة . وهذه القصائد مفتوحة لجميع اللغات ، لا بسبب وضوح أساليبها المتقنة المنضبطة ، بل لما تنطوي عليه من أحاسيس أنسانيه ، وأفكار يتبناها أو يتعاطف معها !
إن احتواء مجموعته ( تهجيات ) على هذه النصوص المميزة ، تُخرِج دلالة التهجي عن معناها اللغوي الظاهري ، إلى مكابدات الشاعرفي أسئلته ، وسعيه الدائم لفهم ما يحيطه في عالمه المعقد ، لاستجلاء طريقه الشاق الطويل ، عبر ما يحيط به ، ويواجهه من قوى عاتية للجهل والخرافة والجوع والضياع ، وما يكتنفه من ألم ورفض صارخ لها ، ولمن يؤمن بها ، ويسعى لإقرارها :
ماذا كنت تبتغي
حين لم تترك
بابا واحدا موصدا
بوجه الريح
ألا تكفي الذئب َ ضراوتُه
حين تعطيه
مُكرَ الثعلب ! (قصيدته \ ميكافيلي )
ويواصل الشاعر صرخته منتصرا للحقائق العلمية ، ومتغنيا بها ، كما يتغنى بامرأة شجاعة فاتنة ،
تتحدى بعريها عيون الرجال :
لك 
لا لغيرك في حمّام الرجال
اختالت بمفاتنها وتعرّت 
تلك الفكرة ( قصيدته \ أرخميدس )
في هذه الومضة تتضح لنا مقدرته على إضفاء الشعرية بجمالها على اللغة التقريرية المتسمة ، أبدا بالجفاف ، وقد تصدى الشاعر لهذه اللغة للعديد من الأفكار الفلسفية ، والنظريات ، بعد تناولها عبر رؤيته لصدى انعكاسها على عقله ومشاعره :
شيءٌ واحد ٌ
فات انتباهتك أيها المبجّل ْ
هو أن العالم َ
ربما يكون أكثرَ بدانة ً
من الثوب الذي
صنعت !
إن قراءتنا لما أفصحت عنه تهجياته في ومضاته ، ومقاطعه ، وقصائده القصار ، كشفت لنا بوضوح امتدداد ثقافته بين عصره الراهن ومدى تأثره به ، والموروث الأنساني الثري بثقافاته ، ومسلّماته ، في مراحله المتعاقبة , والذي تمثل بأبرز أحداثه ، ورجاله ، وكتبه المقدسة: القرآن، المسيح ،الحلاج ، بوذا ، وغيرهم . ليصبح هذا الامتداد الثقافي العريض مصدرا لمكابداته الشعرية ( تهجياته ) التي رسمت لنا معالم الطريق الذي يريد :
أية حجارة سماوية ٍ مسحورة ِ
هذه التي ألقيت َ
في مستنقع أذهانهم الآسن
هل وعى حماة الأيمان أولئك
إن الإله الخالق
لا شئ يُفرحه
مثل إيمان يتجدد !
وها نحن في فضاء الصفحة الثانية من غلافها ، نردد معه ما اجتزأه من قصيدته ( أبدا أنت ) :
بعد ألف من السنواتِ
يبقى الدرب الذي تسلكين
ينزف عطرا .... !
google-playkhamsatmostaqltradent