_________________
تافهة جداً
أيامنا التي ..لم نتناولها بملعقة القلب ..
وابتلعناها بأصابع القلق على عجل...
ومثلها ..أيضا أيامنا التي لم نفتح فيها النوافذ أمام الشتاء
خشية الإصابة بالبرد ...فخسرنا قبلات المطر ..
وقرصة الريح للخدّ.. ومثلها أيضا
..أيامنا التي لم نغسلها جيداً ..من الحقد
ففاحت منها العفونة
على حبل غسيل الصداقات الجميلة ..
التي انفتقت قمصانها البيض ..سريعاً
ومثلها أيضاً ..أيّامنا التي أسرفنا في تبذيرها
بالإصغاء ..لنهيق الأخبار
التي تبشرنا دائما بوطن فقدنا ساقه في سوق الحروب
فصار العرج علامتنا الفارقة بين الشّعوب
ومثلها أيضا ..أيامنا التي مضغتها المقاهي القديمة
بانتظار صديق ..سيأتي زحفاً
ويقضم جبنة مللنا بثرثرته .. عن الحرب والبرلمان
والعلاقة بين البهجة والثريد
وبين كلكامش والبطاقة التموينية..
ومثلها أيضاً ..أيامنا
التي دهسها (بسطال ) القطار الكئيب بين الموصل وبغداد ..
بعد أن التهم نعيبه
فيروز وأنفاس الجنود الذين غادروا في أكياس بيض ..
إلى أمهاتم السمراوات تحت غبار الحروب...
ومثلها أيضاً ...أيامي التي أحببتك فيها مثل مهرج
لا تفارقه الابتسامة حتى وأنت تدوسين
بالكعب الأسود لقلبك العالي على ذيل ردائه الأحمر ..
في استعراضه الأخير لاستدراج روحك إلى خيمة الحب .
ومثلها أيضا أيامنا
التي انشغلنا فيها بالجدل حول ..القضية ؟
لأننا لم نفهم في يوم ما.. ما القضية ؟..
مع أننا كنا نأكل ونشرب القضية
في كل وجبة عمر .. وحرب ..
وننهض على صوت المذياع
وهو يصدح بأناشيد من أجل القضية ..
وننام على موسيقى حزينة ..
من أجل الذين غابوا في جُبّ القضية ..
لكن ....ما القضية ؟
حتى الذئب الذي كان يطاردنا ..
لا يعرف ما القضية ؟
لكنه يظل يطارد قمصاننا البيض
من دون ملل ..أو كلل ..
أو أمل بمعرفته ...أو بمعرفتنا : ما القضية ؟
تافهة أيامنا ..
التي ..لم نخفض فيها أجنحتنا
ونحن نقترب من عشّ الأم
ولم نطع فيها معلمتنا
التي أمرتنا بعدم الخروج من المدرسة
قبل نهاية الجرس الأخير
لكنّنا خرجنا مسرعين
لتخطفنا الحروب واحدة تلو الأخرى ..
وتنسينا الدار والدور ..
و(نور) التي كبرت في القراءة الخلدونية ..
وتزوجت من أحفادنا
وعندما أردنا الرجوع إلى المدرسة ..
لم يتسع بابها الصغير لقاماتنا الطويلة ..
حتى الشّيب على رؤوسنا
لم يعد صالحاً للكتابة به على السّبورة ..
ومثلها أيضاً أيامنا التي ..
ظلت مطرقة الوظيفة تضربها
حتى صارت منضدة عريضة تتكدس عليها
الأوامر الإدارية ، والكتب الرسمية ، وطلبات الإجازة ،
والأوراق الصفر اليابسة من دون شعر أو مطر
أو طلب لإقامة ندوة ثقافية عن عينيك ..
باختصار ... أيامنا التافهة ..كثيرة جدا ..
من الصعب إحصاؤها ..
في حياة ورقة صغيرة جداً لشاعر..
لا يملك من الأيام العظيمة إلا يوماً واحداً :
عندما وضعتني أمي أول مرة في المهد ..
لتهزني بقلبها ...بدل يدها
كي أكون بعد سنوات
شاعراً .
أحمد جارالله ياسين / العراق / من مجموعتي ( نون النسيان / 2021)