(( ملائكةُ شيماء تُخطِئ أحياناً .. !! ))
حينما أقرأ لكاتب ما ــ رجل أو امرأة ــ لم اعرفه من قبل ، ولم أسمع به ، وأجد في كتاباته بصمة موهبةٍ تجبرك على الوقوف عندها ، والحديث عنها ، لن أمسك نفسي عن الكتابة عنها وما جادت به هذه الموهبة إبداعا !!
هناك مَنْ يلومني وينتقدني أحياناً مثل قولهم :ــ مالكَ والكتابة عن هؤلاء المبتدئين وهم في خطواتهم الأولى ؟!
أجيبهم :ــ الكتاب واضح من عنوانه ، وما علينا سوى أن نثبّت خطواتهم ، إذا كانت جادّة وتملك موهبة ورسالة إبداعية ، بتشجيعنا ودعمنا لهم قدر استطاعتنا ، وهم ليسوا مبتدئين حتما !!
وأنا في عملي ذات يوم ، دخل عليَّ أحد الزملاء المهندسين حاملاً كتاباً ، ليقول لي :ــ أريدك أن تقرأه ، قرأت العنوان واسم الكاتب فقلت له :ــ مّنْ هي شيماء ثائر ؟! أجابني :ــ ابنتي ، وهذا إصدارها الأول ، ياريت تطّلع عليه وتعطيني رأيك فيما كتبتْ !!
ما أن تصفّحته حتى جذبني من العنوان ( الملائكة تُخطيء أحياناً ــ قصص ) ، لأسرح بين كلمات قصصها الــ ( إحدى عشر قصة ) اشتغلت فيها الكاتبة على ماهيّة وجودية الإنسان وما يعتريه من حالات نفسية قد يفرضها المجتمع والحياة الاجتماعية عليه !!
ولأنها كما عرفت بعد ذلك تعمل طبيبة صيدلانية ، ورغم عملها الأدبي هذا اقترب من المرضى تحديدا ــ المرضى بأنواعهم المتعددة ــ لكنّها جاست في مداخيل النفس البشرية لتسبر غور الإنسان ووجوده بشكل خاص ، فما بين ( ذهان ــ قصّتها الأولى في الكتاب ) و( رسمتُ لأعمى ــ قصّتها الأخيرة ) نعيش حالات غريبة من الانشطارات الذهنية والتعب النفسي المصاحب للإرهاق الجسدي والروحي في ( الملائكة تخطيء أحياناً ، رسالة انتحار ، توأم ، مرآة ضبابية ، انشوطة ، ليلة في سيارة ، ابني المفقود ، فتاة في المحطّة ، مكالمة ضائعة ) !!
إنها تصدمك في الخاتمة دائما ، حيث تأخذك بحكايتها لتلج معها عوالم النفس البشرية وما يعتمل فيها ، حتى إيصالك إلى ضربة الجزاء التي ستسجل منها هدفاً بخاتمة القصة ، والتي تجبرك على إعادة قراءتها لتفهم مغزاها ، لكنك ستصطدم بشكل مغاير تماما لفهمك الأول ، وقد نوّهت الكاتبة لذلك في مقدمتها القصيرة جدا حيث قالت :ــ ( عزيزي القارئ :ــ بعد أن تعطي لسطوري الحياة ، وعندما تصل إلى نهاية القصة ، أعدْ قراءتها ستجدها مختلفة عن المرة الأولى ، وتلك نصيحتي ، لا أكثر )
كما أنها في كل قصة ترسم مؤشراً لدخولها بجملة تمنحك مفتاحا لتصوّر ما ستؤول إليه الحكاية أولاً ، لكنك تفاجأ بحكايات أخرى عليك قولبتها في ذهنك لتفكّ مغاليقها ، كي تصل إلى ما تريده الكاتبة !!
في إحدى قصصها تقول :ــ ( لن يغادر عقلك المكان الذي تشبّث به قلبك ، بل ستذر على جرح روحك الألم المملّح كلّما استدعيت النسيان ، ستهرب من أملك وتنتظر أن يبحث هو عنك !! )