قراءتي المعرفية في نص (قاروراتُ المعنى ) من ديوانه ( انا اخر من لوح لليل ) للشاعر العراقي ( رحيم الربيعي ) // عبد الحسين أبو وهيب
يكمن مفهوم النص الادبي في ابعاد متعددة قبل الولوج في كتابة النص واظهاره للعلن كنص ذا محتوى دلالي يستند الى فكرة ما قبل النص والابعاد هي التي تُكون البنيوية للنص من خلال الابعاد والتي تتمثل بالارضية النفسية والاحساس والمعرفة والتي يضبطها العقل ضمن ايقاعية شعرية تؤدي غرضها المرجو وهذا لا يأتي الا بالممارسة الذهنية والمزيد من الاطلاع والملاحظة الدقيقة حتى يتم بناء فكرة النص لاستدراج المفردة وضبطها مع باقي المفردات بحسب الجنس الادبي الذي يتبع الفكرة التي يريد الناص إيصالها , وتتمثل بالرمزية والانزياح لاعطاء النص بعد اخر خارج عن المباشرة عن المتعارف عليه بالمفهوم اللغوي لكن ليس بالرمزية المكثفة بمعنى ما يسمى ( بالسهل الممتنع ) بعيدا عن المفردات الفلسفية الافتراضية بل يجب ان تكون من خلال الواقع لكن بايحاءات رمزية كذلك الضغط في الجملة النثرية وعدم الاسهاب أي بمالمعنى الايجازي وضمن البلاغية للوصول الى اعلى مراتب الاقناع وحمل السامع او القاريء على تغيير مفهومه او التفاعل مع الفكرة من النص من خلال بنيته في الاقناع في ايصال الفكرة المنطقية ان كانت ذاتية او مجتمعية او ظاهرة متفشية وسلوك خارج المنطق العقلائي وقد تبنى الشاعر( رحيم الربيعي ) قضية مجتمعية سلوكية اتجاه المرأة في نصه (قاروراتُ المعنى ) فهو يتطرق الى موضوع انثروبولوجي بحت وثقافة تزدري المرأة وتقلل من قيمتها والعنوان مستعار من قول الرسول الكريم ص ( رفقا بالقوارير ) أي بالنساء فهو تعبير مجازي على رقتها وعاطفتها التي تتاثر كثيرا الى حد الكسر , وعنوان النص دال بشكل واضح على المعنى المراد ايصاله من قبل الشاعر لذا نجده يريد ان يوصل حال المرأة في المجتمع الذي يعيشه بانها فاقده للطعم حينما تكون مجرد اداة للتسلية او نزوة كانها تمثل مفردة لا قيمة لها سوى للوصول الى هدف شخصي ليس الا حينما شبهها ( النســـــاءُ تفقدُ طعمَها تكونُ حشواً بين القوافي ) فهو يعتبرها ضحية لسلوك غير اخلاقي وموروث ممجوج متخلف كانها مجرد احجار خارجة عن مسيرة الحياة بل هي مجرد رغبة ليس الا وهنا نجد الثورة العارمة لدى الشاعر ضد هذا الموروث والسلوك المقزز الذي لا يمت للانسانية باي صلة (أو مجردَ أحجارٍ فائضةٍ عن الرغبةِ ,نستخدمها في تجاوزِ مجرى الحياةِ ) , لكنه في المقطع الذي يقول فيه ( أحياناً أخرى نرمي فوقها مخلفاتِ نشاطِنا في صنعِ الخراب ) يذهب الى ابعد ما يكون من الاستهانة بهذا الكائن ( ألمرآة ) بكلمة ( مخلفات ) فهي عبارة منتقاة من واقع ايدلوجي متدني الى ابعد ما يكون بل عقل فوضوي همجي بمعنى أن الرجل يرمي كل تبعاته ومشاكله نحو تلك القارورة فهو بالنتيجة تعنيف نفسي يؤدي الى خراب ثم يتحول الى أنين ونحيب في خلسة بعيدة عن الأنظار فتكون ضحية بلا مبرر ولا مسوغ لانينها بل بسبب التخلف والعادات السيئة في المجتمع المنغلق كأنها جارية حين يصف نظرة الرجل الى نفسه بملك يلوي الثوابت الانسانية بحسب مقاساته وحاجاته غير مهتم بالتطور المجتمعي حوله رغم الضجيج والإعلام الذي يدعوا الى حقوق المراة ( القارورة ) ليبحث له عن مبرر لسلوكه السلبي اتجاهها وهي في حقيقتها زائفة مصطنعة (نترجمُ بهِ كلَّ الثوابتِ على مقاسِ نظراتنا الزائفةِ ) ,
في المقطع الاخير والذي يبدأ بــ (أيتها الألوانُ الطافيةُ فوقَ الغيمِ أهربنَ من كلِّ هذه التفاهاتِ ) يثور الشاعر ضد تلك العادات والموروثات المقززة التي يمارسها المجتمع الذكوري ضد المرأة وكانه يناديهن بصوت منذهل متفجر يطالبهن بالثورة ضد هذا التعسف والظلم ضدهن ويصفهن بــ الألوان الطافية فوق الغيم وهو وصف تعبيري رائع مدهش لذا عليهن ان يقتحمن سور التفاهات والموروثات بتوظيف ما اعطاهن الله من مقومات يمكن من خلالها ان يضعن حدا لهذا السلوك السلبي اتجاههن لكن عليهن ان يدركن ان هذا لا يحصل الا بثورة داخلية ترفض السلوك المضاد حين يصف باخر النص (فالبحرُ لايدركُ نفسَهُ الا بالأمواجِ ) بمعنى ان البحر لا يكون بحرا الا بامواجه العاتية وهي الطبيعة الكونية المزروعة فيه ليكون بحرا يحسب له حساب قبل العوم او الابحار فيه بمعنى انتن ايتها النسوة ان لم تكن كالبحر سيبقى الحال كما هو عليه ..
خاتمة //
تطرق الشاعر رحيم الربيعي في نصه الى ثقافة متفشية في المجتمع الذي يعيشه وهي ثقافة العنف ضد المراة والسلوكيات الخاطئة المورثة باعتبارها كائن ثانوي مقيد بتقاليد ذكورية ليست من الدين ولا من الاخلاق , ومن ناحية ادبية كان موفقا جدا في توظيف العبارة والجملة النثرية اضافة الى بنية النص ووحدة الموضوع تمكن في ايصال الفكرة لديه من خلال تعايشه في هذا الواقع الذي يظهر غير ما يبطن ونصه الادبي يعتبر ثورة فكرية ضد هكذا سلوكيات اتجاه المرأة وقد تمكن من الانتصار للمرأة في نصه من خلال دعوته لها للثورة ضد هذا السلوك ضمن اطار بلاغي منطقي وباحترافية رافضة وبشدة لكل تلك السلوكيات ...
قاروراتُ المعنى
................................
النســـــاءُ تفقدُ طعمَها
تكونُ حشواً بين القوافي
أو مجردَ أحجارٍ فائضةٍ عن الرغبةِ
نستخدمها في تجاوزِ مجرى الحياةِ
أحياناً أخرى
نرمي فوقها مخلفاتِ نشاطِنا
في صنعِ الخراب
الذي يجعلُ منا كائناتٍ مجهريةٍ
تنشدُ في المكاناتِ المظلمةِ
عندما ننصبُ أنفسَنا ملوكاً
وسطَ ضجيجِ العالمِ
نبحثُ عن تأويلٍ آخرَ
نترجمُ بهِ كلَّ الثوابتِ
على مقاسِ نظراتنا الزائفةِ
أيتها الألوانُ الطافيةُ فوقَ الغيمِ
أهربنَ من كلِّ هذه التفاهاتِ
روضنَ جماحَ ثورتَكنَ الدخيلةَ
فأنتنَّ ماءُ الحياةِ
ألتزمنَ بمقاديرِ الطبخةِ الكونيةِ
وعرِّجنَ للذيذِ ماتشتهي القصائدُ
بحروفٍ ناضجةِ المعنى
فالبحرُ لايدركُ نفسَهُ الا بالأمواجِ
....................................