recent
أخبار ساخنة

هكذا تدفقت ... نص حصري للشاعر منذر عبد الحر

هكذا تدفقتُ
إلى 13 _ 5 _ 1961
" القصيدة لم تنشر في أيّ من المجموعات الصادرة , ونشرت في كتاب شعر 92 – المشهد الجديد في الشعر العراقي – مع مجموعة شعراء وقد صدر عن دار الأمد للنشر في بغداد عام 1992 "
....................................
الدنوّ من الحكمة رهينٌ بالسقوط , قال هدهد المدينة , وانتحى جانبا لتبدأ الرحلة ..
****
من سهلي – في الحرث الملون – طالعتُ سؤالا بجناحين فألقمتُه اسما , وانحنيتُ على العشب , أحصي دمي ...
من سهلي , جررتُ أصابع موسمٍ بلا ريش !
وأطلقتُ النار على عنكبوتٍ في رأسي 
نثرتُ الماء على ضوءٍ يحيط الفراغ المتثائب من قلقي حتى رايات رعشتي الأولى , فأنا أحكمتُ القناع على خطواتي , وأجلستُ سؤالي – المقمّط بالخوف – على جثّة الريح ...
****
عند موتي الأول , بين حقيبة المدرسة وساقيةٍ في الجنوب – أدمنتُ طنينها – انسللتُ من خاتمتي في غفلة الشيطان , لأن أبي كان يجرّب الخيانة , فانتشلني بصمت ..وأدمنها ....
هكذا ...تصير الحقائق أعصابا , والفضائج مجسّاتٍ , وتلوّج البراءات بمناديلها وتعلمنا خرائطنا , التي أشعلها القمر , وأججتها عيون الشواطيء
*****
...... وقبل ريح جريئة انسبتُ بلا قناطر , ملوّحا بسنبلتي لفتاة ٍ مؤقتة , صادرت سلّة الإنصات ومضغت نرجستي حتى تلاشى الدر ...
ودون تجوال فركتُ عينيّ ووزعتُ أحلامي على الأقبية مقترحا لجسدي زحام الأجراس , لينسج نزيفي , هاربا من الرخام , ومن الأنثى في المزامير , وأوتار الغرباء المتمرغين بأخطائهم , وهم يحلقون بريش " والت وايتمان " حفاظا على موت يليق بغربتهم , وإذ جف الليل 
أبصروني معطلا في الجانب الآخر 
برأس موغل بالصمت , والينابيع 
*****
لأن حواءنا بلغت تلالها , أخذت العشاق لمتحف ألمها , فامتلأت أسنانهم أسرارا , حتى فاح من أحدهم عشق ٌ , لتصلبه موزعة تعاويذه على حواءات المدن ...
خرج من شباكها رجل ظلت تطارده في أحشاء النار , لخنق ذكورته  
وتشاء - الطلاسم – أن تؤرج " براطمها " لتزرع تسعة وتسعين منبرا 
بين الصحراء المقدسة 
والجبل المدنس 
وتدلق شيطانها في حقيبة , جعلت صاحبها صيدا لملامح أميرة
وصار المطارَد في الألسنة السود - سلطانا غجريا – مولعا بالقطيعة ..
****
وفي فرح الرشد , رصدتُ أصص البراعم في الجنون , فتمدد الإفيون في صوتي , وركبتُ " عربة باخوس " 
غارفا فردوسي من البرك
أرشّ الموسيقى في عيون طفلة – سلبت المرايا ضمورها وأثخنتها بالغنج وهي ترتل قناديل الورد – مانحة زغبها أجنحة
لتعبث بأقداحي ...
أنا ...
المأخوذ بجمراتها 
لا أرى غير بالونات الحلم ...وخوفي
هكذا ... أطلق الضباب سرّي 
وعبثت الأمطار بأقنعتي
محفزة رصاصها على بلّور نابض
وبدأ الاسم ُ !
حين أخذ الخجل عصارته 
وذبح الوهم مجددا الرحيل إلى الأزقة المضرجة بالطفولة 
وبعد اللهفة , صار سؤالي جنونا , فأخذت قبعة الشحوب , وحملتُ شهقتي على حلمات المدينة , جامعا أغنياتي من دموع المطارق !
وفي الهشيم المورق , أداعب أفخاذ الحرب , وأنسج صداح الوقت لأعلقه على " طوطم " بانتظار الخطيئة !
وفي النبع ..
تقدم السرّ تاجا
وخريج للحريق قطار يستفز العائدين من كهوفهم 
فيغزو القلق حياد البنفسج
خرجتُ ...
إلى المدينة المالحة
ونحتُّ انحناءاتي زاحفا بين نوارس البدء
مؤهلا الأحلام لزوارقي 
هكذا ....
انكمش قمحي 
مانحا دكنتي أنثى أيقنت قلبي 
وهي تدور بضفائر الحرب , ولا تلوم أحدا ...
****
لا تلوم أحدا ...
وبين مواويلي تفتح أقانيمها 
وتعلمني أسرار الكهف المحاط بالبثور 
فالمراثي مهبط أوراق الصمت 
وأنا ..
أترنم بمحنة الخروج من الدمى
أعطي وشمي لفاختة تموسق موت الأشجار 
وتوزع الحلم على الجدران 
...حتى ....
وثّقت العاصفة بالوناتها 
و أعدت الفزع المجترّ في المومياء 
*****
وفي أعتاب التكرار تقلصت الخرافة في فم ينفث الرماد بوجهي 
ويمنح ملامحي حصى وكواكب 
- أعطاني الأدرد توقه ومضى 
بين خجلي وشهوته 
يباعد قامات شروعه بالظل 
ويمهد انكسارا أعرفه 
*****
انثلمت خطوتي العشرون 
فألقيتها في القبو
واقتطعت الخطوة الأولى من الخارطة 
آخذا من فجري امتداده في ثياب نعاسي 
فسلخت وهمي في امرأة سمراء 
*****
أن تحرك الأعشاش صباحي المستلقي منذ ست خيانات على فزع متآكل , تلك أباريق الأجوبة , وارتباكي باتجاه الأرقام التي تطارد رأسي ...
أن أستعيد حانتي في تلك المراوح 
عليّ أن أثقب الصورة 
وأسرّب الخجل ...
****
الدخان ..
على الرصيف المقابل لموسمي 
أُعِدّ من التوق , فأراق ببغاوات وأناشيد 
للرحلة المحاكة من تراكم القرية ...
بدأتُ مثولي من الزغب حتى ملامح أغنية , أطلقتها المدينة ...
وأنا ...
في صفرة الانتظار , أتطلّع للرفوف , حملتُ ضريحي وقتتهُ في الأقبية
قبل أن يهتف المتسولون لنقاهاتهم 
*****
لم ألحظ جرحي في الوجوه , فاخترتُ سلّما , وبنيتُ ضجيجا للتلصص على خاصرة المدينة وهي تمارس حكمتها ...
هكذا تدفّقتُ ...
طويتُ جداول الصمت بخطى داكنة 
أجلستُ تأريخي على زورق ورقيّ وألقيتُهُ في الزبد ...
أم أحث زنابقي لليل 
خشية أن تستحيل الأصابع قنافذ قلق 
ومسرحا يرتكب الهتاف 
ويمضغ الوهم المرفرف في عينيّ 
وهما تحصدان غيابي 
في لثغة الخمر الراحل للتكريس !
*****
روّضتُ شكوكي في إجهاد التأويل 
وهيأتُ أظفاري لملاذاتها 
حتى أفصح العمر عن هيبته 
وفي البوح , وصل القلق كأسي وفضّ رسوخي , ليكتب أحشاءه ويقيم خيمة ..
ودون أن أحرث , ركبتُ عزلتي , واجنزتُ موتي بعد معجم البحر وفنارات الكوابيس , لم أجمع رمادي لأستيقظ في المدن 
عازفا عن قبعتي ...إذ ..ليس لي سوى وهم مقدارُهُ عسلٌ وشفتان ...
هكذا ...
رممتُ مسامات طفولتي , وأخذتها من أذنها للبحيرة , معطلا سيقانها 
ولأنني جريح الجهة 
قدمتُ رأسي على طبق من لهفة , قربانا لبرعم أدركتُهُ في مسائي 
موغلا بأسرار دمي 
عائما في البدء 
*****
.....أبي ...
المفجوع بقامته 
يراني سرابا 
والأرض , حانة سيئة الصيت 
ينهش صوتي , ويبذر الرحيل , ملقنني أخطاءه 
ولأنني مورقٌ في صداه 
شربتُ الليل ..
ونفثته في الأبواق ..
حرثتُ المرايا ...وأطلقتُ طيور أسراره ...
وتدفّقتُ ..!

google-playkhamsatmostaqltradent