recent
أخبار ساخنة

غموض الشعر .. عبد علي حسن

غموض الشعر
عبد علي حسن/ العراق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لعل الدافع لكتابة هذا المنشور هو ما يتم تداوله في المناقشات وبعض المقالات حول ضرورة أن يكون النص الشعري واضحا الى مستوى يمكن القاريء من فهم المعنى الذي يثبته الشاعر دون تأثيث متاهات في بث المعنى، مؤكدين لاجدوى من الغموض الشعري الذي يفقد النص القدرة على تواصله مع القاريء.
وحرصا منا على ضرورة توفير يقينية بما هو معرفي وقار ومسلم به في نسيجنا الثقافي فإني ساحاول التركيز والايجاز في حواري، وتعميما للفائدة.. سأضع الملاحظات على شكل نقاط تيسيرا لمتابعة الحوار. 

1--- إن شعرية اللغة تعني حصول انحراف وانزياح في النظام اللغوي للغة النثر وهي لغة السائد والمألوف. وينجم عن هذا الانزياح في المفردات والجمل تشكل انساقا جديدة لا صلة لها بالمعاني المعجمية للمفردات. وتحديدا المجاز والاستعارة والتشبيه.. عندئذ يكتسب هذا الانزياح الدلالي خاصية شعرية اللغة.
4--- وعليه فإن الغموض هو خاصية فنية لفن الشعر.. وهو ما أكده ارسطو في كتابه فن الشعر حين كان يتحدث عن خصائص الأجناس الأدبية التي كانت سائدة وكما أكد ذلك الدرس البلاغي والنقدي العربي .وجهود الجرجاني واضحة في هذا المجال وفي الدراسات والمنهجيات النقدية الحديثة تم التأكيد على ملازمة الغموض للنص الشعري حسب دراسات الشكلانيين الروس وخاصة ياكوبسن وكذلك جان كوهين.

5--- يمكن إدراك الأنساق اللغوية الجديدة واكتشافها في النص الغامض لقرب القرائن الدلالية من بعضها البعض.. بينما لا نجد ذلك في النص المبهم الذي يتحول الى أحاجي وألغاز مبهمة قد لا يعرفها حتى كاتبها. وإلى ذلك أشارت سوزان لانجر في معرض حديثها عن التجديد. فنحن مع الغموض لأنه خاصية تحققها الإنزياحات الدلالية التي تخلق شعرية اللغة. ولسنا مع الإبهام الذي لاينفع المتلقي ولايرفد مرجعياته المعرفية والجمالية.

6--- لا يمكن لأحد وخاصة الشعراء من إحداث أشكال حول قضية حسمت قبل 2000 سنة من قبل أرسطو وكل المرجعيات النقدية المتتالية حتى اللحظة الراهنة تؤكد أن الغموض ظاهرة ملازمة للنص الشعري وإلا تحول إلى نص نثري دون الحاجة إلى هدم النظام اللغوي.

7-- تتجلى قوة النص الشعري في القدرة على تخليق انزياحات جديدة متجاوزة لما سبق لتثبيت معان جديدة تحفز المتلقي على استدعاء مرجعياته المعرفية والجمالية ليتوصل الى مغزى النص تأويليا.
8_ علينا التفريق بين الغموض بعدّها خصيصة اجناسية للشعر  وممكن إدراكه حسيّا ، وبين الإبهام الذي لايمكن إدراكه لعدم وجود قرائن دلالية تشكّل الوعي الجمالي والمعرفي للمتلقي ، فالإبهام يحوّل النص إلى مجموعة ألغاز وأحاجي لاتفسير ولاحلّ لها .

عبد علي حسن/ شباط / 2020
google-playkhamsatmostaqltradent