recent
أخبار ساخنة

الوطن الرغيف .... ميرفت ابو حمزة

الوطن الرغيف
________________

الحديثُ عن الوطنِ الرغيف 
كان ساخناً و( مُقَمَّراً ) هذا اليوم
لكنه لم يكن آمناً بما يكفي ليمسكَهُ بيده طفلٌ في الثالثةِ من عمره ، أو شابٌّ في مقتبلِ العمر حُرق جلده من قبل ..

بينما الأبُ الذي بُتِرَتْ ساقُهُ ويدُهُ في الحرب..
لم يَرَ في هذا الرغيفِ إلا مَصْيَدَةً لبَتْرِ أطرافِهِ المتبقيةِ ففَضَّلَ أن يبقى وأبناؤُهُ جياعاً ..

الوطنُ رغيفُ خبزٍ ..
سمعتُ هذا من كل الذينَ عبروا
وبين أيديهم أكياسُ (السَّمُّون)
والمعلباتُ والفاكهة..
لا أعلمُ من نَقَلَ هذه الوشايةَ الطازجةَ لأصحابِ الحظِّ العاثر ..حتى أصبَحَتْ على كلِّ لسان ..

الوطنُ رغيفُ خبزٍ معجونٌ بالدَّمِ والدَّمعِ.. 
خميرتُهُ أمهاتُ القرى النائيةِ
وبناتُ البيوتِ ، والبنات المتسولات وبناتُ الليلِ ، والبناتُ اللواتي لم يُولَدْنَ بعدُ ..

أما الفرنُ.. 
رجالٌ بلغوا من الحرائقِ الدرجةَ الثالثةَ 
إنما لم يموتوا حتى الآنَ ظاهرياً..

الوطنُ رغيفُ خبزٍ منفوخٌ 
على سكةٍ حديديةٍ يمشي مختالاً 
نحو العيونِ الجائعة..
وسرعانَ ما تخطفُهُ كفوفٌ غامقةٌ
إلى جهةٍ مجهولةٍ...

الوطنُ رغيفٌ جافٌّ مُحاطٌ بالحمدِ على حصيرةِ الفقراء ، بعد أن جمعوا فُتاتَهُ من جَنْبِ الحاويات...
ومن الأرصفةِ ومن مخلَّفاتِ الطاولات في مطعمٍ قريب..

الوطنُ الرغيفُ سابقاً.. عاصرَ كلَّ الحروبِ 
وصمدَ إلى أنِ انتصرَ على أيدي الفلاحين..
حين جعلوا من السنابلِ سهاماً تنفذُ بقلبِ الجوع..
وسرعان ما ترديه قتيلاً ..

الوطنُ الآن رغيفٌ ممزَّقٌ حاولَ شُبَّانُ القريةِ رتقَهُ ، وإذْ بهم يخيطونَ أكفاناً لهم وله من جلدهم ليتمزقَ أكثرَ فأكثر....

الوطنُ رغيفُ مريض ..زعموا أنهم إذا أعادوه لباطنِ الأرض ، سينبتُ بدلاً منه سنابلُ قمحٍ
تكفي لسنينِ القحْطِ والجفاف
المقبلةِ عليهم..

من يومِها وكلُّ الرجالِ والنساءِ والشبابِ والأطفال يذهبونَ بجراحِهِمُ المفتوحةِ وأطرافهِمُ المبتورةِ  وعيونِهِمُ المتقرحةِ كي ترتويَ تربتُهُ...
وينبتَ أسرَعَ ...

وأنا أسألُ نفسي على المائدةِ ...
لماذا تغيَّرَ لونُ الرغيفِ إلى أحمرَ ..؟
_______________
ميرفت أبو حمزة
google-playkhamsatmostaqltradent