recent
أخبار ساخنة

حارة الصورة...قصة قصيرة...محمد نشوان...مراكش

حارة الصوره

حائط حارتنا صحيفة يومية ناطقة، لا كذب فيه و لا رياء.
من خلال حيطان الحارات يمكن التعرف على اسماء الباغيات و الشواذ و المخبرين و الحرفيين...
لا فرق بين الامس و اليوم، الفرق فقط في التفاصيل، بالامس جدار الحارة و اليوم حائط فايسبوكي مستفز ينشر غسيل كل رواده.
شباب الحارة مقسم بشكل اعتباطي، حيث توزعوا الى فئات مختلفة، واحدة تعيش عالما افتراضيا و تسافر عبر بطولات رياضية وهمية خارج الحدود و فئة ثانية تدمن كل انواع الكحول و المخدرات، و ثالثة ارخت اللحي و خفت الشارب، و بدأت تحلل و تحرم حسب هواها...
كنت ضائعا وسط هذه الفوضى، اتنقل من حين لاخر من فئة لأخرى، دون التقيد بفكر معين و دون الحاجة لإذن بالدخول او الخروج...
كنت كمن يبحث عن نفسه، عن ذاته عن وجهه وسط هذه الوجوه المقنعة و كان شباب حينا اشبه بدمى متحركة تتلاعب بها رموز سياسية...
و في الجهة الشرقية لحارتنا، تسكن ربيعة العبديه، امراة في الثلاثين، قدمت الى مراكش مع عودة متطوعي المسيرة الخضراء، و استقرت بحارة الصوره، في بيت متواضع، رفقة ابنها. للعبدية غمازة تشبه البدر و هيئة اجمل من نور الفجر.
تقول والدتي و بتحفظ كبير انها من عبده و انها وحيدة، و انها تمر بظروف صعبة و أنها...
و تتوقف عن الكلام، و لا افهم ما تود البوح به إلا بعد تسلل مجموعة من الرجال كل مساء إلى بيتها رغبة في إفراغ مكبوتاتهم في جسدها النحيل .
حتى فقيه حارتنا كان يتردد على بيتها باستمرار، مدعيا مساعدتها على إبطال السحر و طرد الجن !
كنت استرق السمع و اطل من ستار تغير لونه بفعل التقادم، فارى سريرا قديما يئن كلما صعده زبون او عاشق مخمور، و صندوقا أصفر هو بمثابة دولاب لملابس و ذكريات العبدية، و نافذة جد صغيرة اشبه بكوة يتسرب منها ضوء خافت، و طاولة خشبية قديمة فوقها صينية نحاسية، عليها كؤوس لا يمكن الجزم بمحتواها، و ارى العبدية تشد على خصرها بمنديلها المزركش، و ترقص على إيقاع أغاني شعبية مبتذلة، مستسلمة لوضعها البئيس، و زبونها المخمور ينهش جسدها بعينيه الزائغتين، ناعتا إياها بالباغية و الكلبة. 
كنت أهتم بالأصوات اكثر من اهتمامي بالوجوه، فلا أنسى صوتا سبق لي سماعه و لو مرت شهور و شهور، أميز همسه و صراخه و ذبذباته الخفية...
كل مصطلحات قاموس الشارع يستعملها و يتلذذ بتعذيبها و التنكيل بها، نافحا اياها أوراقا مالية كثيرة...
يتخيلها عاهرته الأبدية و ترى فيه حبل نجاتها، و منقذها و فارس أحلامها.
تخبره انه املها و يهمس لها أنها المه.
يبدأ ليلهما خمرا و رقصا، وينتهي شتائم متبادلة و ركلا و رفسا، يتهمها بالسحر و الشعوذة، وانها سبب مآسيه، حتى فقد فحولته...
يتدخل الجيران و بعض فاعلي الخير لاصلاح ذات البين، و فض الخصام و إعادة المياه الى مجاريها.
كانت فضيحة العبدية شهية ذلك اليوم، لدرجة ان كل سكان الحارة رغبوا في تذوقها. و كنت أقرأ الكذب في عين أمي كلما سألتها عن الواقعة، فتراوغ و تماطل ما استطاعت الى
  ذلك سبيلا. كانت العبديه تحب عشيقها بشكل جنوني، رغم ما تتعرض له من إهانة و ضرب و تحقير، و كانت تريد القيام بعمل يخلصها من هذا العبء و هذا العذاب المتكرر. لذا فكرت و خططت، و في إحدى الليالي المقمرة، و هما في قمة نشوتهما،  دوت صرخة كسرت جدران بيوت الحارة، لقد استلت العبدية سكينا و غرسته في مناطق مختلفة من جسده الضخم و هي تهذي بكلام غير مفهوم :
- لقد قتلني الف مرة قبل ان اقتله، اريد ان ارناح، ارتاح فقط...
قصة العبدية لازال يتداولها ابناء الحارة و مصير ابنها لازال مجهولا منذ الواقعة المشؤومة و التي تتذكرها النسوة بكل حسرة و هن يرددن محاسنها ، إنها امرأة بألف رجل!
في حارتنا بعد التاسعة ليلا، يستحسن ان تفرض على نفسك حظر التجول، قبل ان يفرضه عليك قطاع الطرق و صعالكة الزمان و المكان...
و في الصباح، تعود الحارة لممارسة روتينها اليومي المعتاد، مرتدية ثياب الطهر و العفاف، و واضعة ابهى المساحيق، و خليط من الاصوات المتنافرة ، يسود حوارات اهلها...
محمد نشوان
مراكش
google-playkhamsatmostaqltradent