recent
أخبار ساخنة

رواية الضايـــــــــــــــع- جعفر الخليلي... حميد الحريزي

رواية الضايـــــــــــــــع- جعفر الخليلي *
 
(يذهب عبد الإله أحمد والدكتور محمد علوان إلى أنَّ (الضايع) نشرت أولا في 1937، أما كوركيس عواد فيقول إنَّها نشرت في عام 1938، بينما يرى عبد القادر حسن أمين أنَّ عام 1948 هو على وجه التحديد العام الذي جمع فيه المؤلف شمل الفصول المختلفة التي نشرها مسلسلة في (الهاتف) واتخذت بذلك شكل القصة الكاملة) ( ). 
ونحن نتفق مع الأستاذ عبد القادر حسن أمين فيما ذهب إليه، فالنسخة التي عثرنا عليها لرواية (الضايع) والمثبت غلافها أعلاه مثبت إصدارها وطباعتها عام 1948 في مطبعة الراعي في النجف، ولكن هذا لا ينفي أنَّها طبعت سابقاً لأن هذه الطبعة هي الطبعة الثانية، وقد كتب عليها (مزيدة ومنقحة).
(الضايع) تحكي قصة صبي شقي ومشاكس في محلته وبين أقرانه، مما يسبب الإحراج لوالده وعائلته، مشاكس، متسائل لا يستكين ولا يخضع لقيود والده المتشدد حيث يلجأ دائماً إلى الضرب والتقريع القاسي ضد ولده المشاكس، مما أجبر الصبي على الهرب لأكثر من مرة ولأكثر من مكان للتخلص من العقاب، ولكنه يقاد جبراً وقهراً ليكون تحت سياط والده التي لا ترحم.. آخر مرة هرب، رافق أحد الدراويش من الكفل إلى كربلاء فالكاظمية ثم إلى إيران في حله وترحاله، لينهل منه المعرفة والحكمة والزهد وشظف العيش، سكنت إليه نفسه واطمأنت إليه روحه.
تجول معه في مختلف البلدان ومنها كرمنشاه إيران، جالس الدراويش والعلماء والوجهاء وعيش الفقراء متعلماً المزيد من الدروس الحياتية من معلمه ومثله، فأصاب علماً وأمتلك ناصية الحكمة لنباهته وانفتاح فكره.
 تزوج والتقى والديه في مكان غربته في إيران، وكان لهم وفياً راعياً.. توفى رفيقه الدرويش بعد أنْ أصابه الوهن والمرض فاشتد عليه ثقل الغربة ومواجهة الحياة وبعد (30) عاماً من الغربة والتجوال يعود إلى بلدته النجف ويبدأ حياة جديدة، وجيهاً حكيماً رصيناً مثالاً في القول والفعل.
من خلال هذه الرواية أراد الخليلي المصلح المتنور أنْ يشير إلى نبذ أسلوب العنف والضرب في التعامل مع الأطفال والصبيان لأنها لا تعلم بل تدفع للتمرد والعصيان، بل يجب معاملتهم بالاحترام واللطف والعطف وأقناعهم بالسلوك الصالح ومضار السلوك الطالح.
عرض لنا الخليلي نماذج مختلفة من البشر من حيث المرتبة الاجتماعية والسلوكية المختلفة وكيف تعامل معها الدرويش مثال الزهد والحكمة وقدرته على التحمل والجلد.
بمعنى أنَّ رواية الخليلي هي ضمن رسالته التربوية والإنسانية وهمه الشاغل للارتفاع بإنسانية الإنسان في بلدته وفي وطنه ويمكن للقارئ ملاحظة ذلك من خلال ما كتبه على غلاف الرواية (كتبت خصيصاً لإنماء المدارك وإذكاء الأحاسيس)، وكذلك كشف زيف ادعاء بعض المتدينين وحقيقتهم المتهافتة ومحاربتهم لحملة العلم والمعرفة والتنوير واتهامهم بالتهم الباطلة باسم الدين لعجزهم في مواجهة الحجة بالحجة ومقارعة الدعوى بالبرهان حيث يقول: (إنَّ الذين تعجزهم الحجة فينبرون إلى خصومهم لاتهامهم بالزندقة والكفر والإلحاد أِنما هم الزنادقة والكافرون في عرف الدين وحقيقته) ( ). 
كأنه في روايته هذه يسبق زمنه ويؤشر لما حصل فيما بعد في نهاية الخمسينيات من القرن العشرين وصدور فتوى عدد من علماء الدين ضد الشيوعية والشيوعيين آنذاك في عام 1960.
أسلوب السرد الخليلي عذب ومفردته جميلة ورشيقة ومعبرة، وقد أشاد العديد من الكتاب والنقاد وأهل الأدب من العراقيين والعرب والأجانب بالمنتج الأدبي للخليلي ومنها رواية (الضايع) حيث قال الأستاذ الكبير الصحافي المعروف رفائيل بطي: (للأستاذ جعفر الخليلي متبني جريدة الهاتف النجفية أسلوب أخاذ فهو يجمع بين قوة التعبير عما يخالج نفسه وبين متين العبارة فتجيء مقالاته على غاية من الانسجام والتأثير ولحضرته عدة مؤلفات أدبية غاية من الإبداع والطرافة آخرها كتاب (الضايع) وهي قصة بلسان فتى غاب عن أهله ثلاثين سنة) ( ). 
 الرواية ص 5.
شهادة المحامي أنور شاؤل: (حقاً انَّ (الضايع) قصة رائعة من هاتيك القصص القليلة التي تشوق القارئ فتملك عليه مشاعره بأحاسيسها المعتلجة وألوانها الزاهية) ( ). 
الأستاذ يونس بحري: (أهنئك إلى ما وصلت إليه في فنك القصصي الذي برزت فيه هذه المرة أكثر من غيرك في هذا البلد الأمين، فقد كنت في كتابك (الضايع) موجداً ناحية جديدة في القصة العراقية...)( ). 
وهناك شهادات أُخرى بحق الرواية لا يسع المجال لذكرها.
فرواية (الضايع) رواية وعظية أخلاقية تدعو إلى الزهد ومحبة الناس، والرحمة والتسامح، واجتناب التكسب عن طريق الدين، وتحريف كتاب الله والسنة لخدمة مصالح خاصة. كما أنها تشير إلى إمكانية التغيير والتحول والنضج لدى الإنسان عبر مراحله العمرية المختلفة، وما يعيشه من تجارب حياتية، ومعايشته لأكثر من بيئة اجتماعية من الممكن جداً أن تصقله الموعظة والملاحظة والتجربة، فينتقل من حالة الشقاوة والطيش إلى حالة الرصانة والكياسة والتفكر والحكمة.

*الاديب حميد الحريزي - العراق من كتاب صفحات من الفن الروائي في العراق الجزء الاول

google-playkhamsatmostaqltradent