recent
أخبار ساخنة

أسس النثر الشعري عند الشاعر كريم جخيور ‏- ‏د.رنه ‏يحيى ‏

غير معرف
الصفحة الرئيسية
ضمن فقرة نقد في نادي وتريات قصيدة النثر واتحاد كتاب وأدباء العراق والموسوعة العراقية الكبرى ؛ نطل عليكم بقراءة بعنوان"أسس النثر الشعري"عند الشاعر كريم جخيور من خلال نصه بعنوان "شعر". مستهلين رحلتنا بجميل ما كتب عن الشعر .

يقول الشاعر العربي مردوك الشامي:"الشعر هناك وهنا ، هو في كل الأصناف ، وهو أساسا في صاحب النص ، أكثر من وجوده داخل العباءة والفستان اللغوي المزركش البراق. والنص الشعري بحد ذاته كائن حي ، وله مطلق الحرية في التحليق أو الزحف أو حتى الانتحار." 

القراءة:

يقول ميشيل دليفل :الشعر المرأة الشقراء الخرساء التي كلها كلام، والنثر المرأة السمراء الماكرة التي بنظارات وكلها أفكار. 
إنطلاقاً من هذا القول يمكننا تتبع العلاقة الوطيدة بين النثر والشعر. إذ أن الشعر لا يرتبط بشكل محدد . وأن الشعرية تتجلى في كل الأجناس الأدبية. وهذا ربما ما دفع بشاعرنا إلى كتابة نصه بعنوان "شعر" والذي يدلنا فيه ما يتوجب علينا فعله أن نوينا أن نكتب النثر. فهو يردد عبارة " أن تكتب نثراً " ثلاث مرات في نص لا يتجاوز . هكذا يبدأ الشاعر نصه موصياً الكاتب وصايا عدة هي بمثابة مرآيا لعشرات الكتب التي أوردتها، مقارباً آراء شعراء ونقاد وأدباء عدة بقليل كلام وكثيف معنى وثمين رسالة. مستخدماً أسلوباً مبسطاً وغنياً ومثيراً في آن. فقد كرر عبارة (عليك) خمس مرات داعياً متلقي نصه بشدة للاستماع إلى وصاياه، مستفيداً من مهارته في خلق إيقاع موسيقي لنصه عبرأساليب التكرار والأمر والنهي. فالشاعر في نصه الرسالي هذا، جعلنا نلتمس معيار التميز في نوع كتابته من خلال حضوره الإبداعي.
يبدأ الشاعر وصيته الأولى مخاطباً الكتّاب ب"أن تكتب نثراً عليك أن تفطم الكلمات من ثدي القواميس وأن تزيل عن جسدها الدمامل والفقاقيع). فهو يوصيهم بأن يبتعدوا عن المألوف والمكرر ، وأن يتجاوزوا ليبدعوا . وهذا ما نادت به السيدة "دوري"بقولها: "الهرب خارج اللغات المعروفة ،والأمنية في إيجاد كلام مستحدث يستطيع أخيراً أن يعبر فيه صاحبه عن نفسه بما قد يعجز الناس عن التوصل إلى التعبير عنه، هذا هو الذي لا يوصف على وجه الدقة." فلا يمكن لأي عمل فني أن يكون إبداعياً ، إن بقي في حدود التقليد وإن لم يطهر نفسه من الشوائب التي عاشت فيه.
ويشبه الشاعر النثر الجامد من العواطف والتعاطف بالدمية التي لا يمكن أن يقودها الكاتب إلى سريره مهما تجملت بألوان اللغة وأشكالها (أنت لم تذهب مع دمية إلى السرير مهما جملوها). فالزخرفة الخالية من الروح لا تسمى فناً .
ويكمل وصاياه بأنه على الشاعر أن يتمكن من هدفه في الكتابة فكرة وإحساساً. وأن يعرف كيف يزرع كلماته في قلب المتلقي وعقله كي يسمى شاعراً بقوله (عليك أن تتثبت من قوسك...). وهذا يتطلب منه أن لا يقطف عناقيد العنب الدانية إلا ما بها صحوة وبهجة. فالشعر الذي لا يفجر طاقات المتلقي ليس بشعر. والنثر الذي لا يبهج قارئه ليس جديراً به أن يقرأ. فليست هناك كلمات شعرية وكلمات غير شعرية ، هذه الصفة تكتسب حسب استخدام المبدع لها.
وتأتي الوصية الثالثة لمن ينوي كتابة النثر لتسلط الضوء على ضرورة حضور الإلهام في الكتابة والابتعاد عن الصناعة التي بها تصنع جاف.فيطلب الشاعر منه (لا تذهب إلى وادي عبقر فلم يعد صالحاً لرعي الثيران المجنحة).وهنا استخدام جميل لرمزية وادي عبقر في الشعر العربي .فوادي عبقر هو أحد أساطير العرب قبل الإسلام ، حيث كان العرب يطلقون على كل من جاء بعلم جديد كلمة عبقري نسبة لهذا الوادي العجيب. وتقول الروايات أن كل شاعر من شعراء الجاهلية كان له قرين من هذا الوادي يلقنه الشعر. ويورد "العقاد  " أكثر من مرة أن شيطان الشعر عبارة عن قوة خفية تتسبب بإيراد معنى خفي ،فهو ملازم للشاعر وقد خلقه الشعراء في عقولهم. وهذا مانجده أيضا عند مارلو وملتون وجيتي وبليك.إذا هذه التسمية هي رمزية فالشعر لا يأتي من الشياطين بل إنه إلهام خفي علينا أن نستفيد منه في الكتابة كي نقدم نصاً جميلاً ونافعاً . وليس ثمة في الشعر حقائق راسخة كما أن المعايير التي يقاس بها تظل على وجاهتها وعمقها نسبية وخاضعة للتبديل.فهي في نهاية الأمر متصلة بذائقة المرسل إليه وزاوية الرؤية وطريقة التلقي.
وهنا يستدعينا السؤال: أوليس نثر الحياة الذي يكرس له الإنسان اليوم بطوله ،يحلم فيه في منتصف الليل ،حسب "تودورف"؟ وهذا ما أشار إليه الشاعر في وصيته (عليك أن تنظر إلى شجرة الحياة وتتعلم منها درساً في الفصول).فالشعر وليد أحداث الحياة ، وليس للحياة قاعدة معينة تتبعها في ترتيب أحداثها.  وقد تبنى هذا الموقف العديد من الشعراء من قبل . على سبيل المثال الشاعر "شوقي ابو شقرا" الذي انحاز لشعر الحياة اليومية، فوضع قصيدة المعيش مقابل قصيدة المعرفي. لنستنتج من ذلك أنه لا داعي لكتابة الشعر إن لم يقل فيه الشاعر شيئاً عن العالم والأشياء والعلاقات الكائنة بينها.
وقد فرق "جون كوهين" بين الشعر والنثر. فالشعر يباعد بين عناصر البنائية أي بين الصوتي والمعنوي في حين يجمع النثر بينهما. معطياً بذلك للنثر قيمته وأهميته في التعبير عن حاجات وهواجس الإنسان ونقل رؤياه إلى العالم. والنظر إلى الحياة يستلزم من الكاتب حسب ما ورد في وصايا الشاعر أن يكون حامل نبض ومترع بخبرات ورؤى إنسانية صاخبة بسيطة أو عميقة تنخرط في عذابات الذات الشاعرة . فيقول:(عليك أن تقف وسط الريح مخضباً بالرؤيا). فمهمة الشاعر الحديث وضع الإنسان في هذا الوجود.فالرؤيا تحول من الضيق إلى الإتساع، والشاعر ملتزم لأنه صاحب يقينيات وصاحب رسالة. 
الشاعر في نصه هذا يعبر عن تميز ملفت، إذ يوصي ويطبق الوصية في الوقت نفسه. فالنص الذي أمامنا تجاوز المألوف بتجاوز الشكل الشعري الموزون، وحمل في طياته سلاسة اللغة ورمزية المعنى ووضوح الفكرة مستخدماً أساليب عدة بقليل عبارات.إذ بين لنا ما أورده الشاعر"فائز العراقي" عن أهمية وجمالية النثر الشعري بمقولة:" النثر أكثر استيفاء لحاجات الإنسان الفنية، في قدرته على الترادف والإزدواج، والتلوين الصوتي والعقلي والاستطراد والتصوير البياني ." والنص يعبر عن تجربة شعرية وثقافة متأججة لدى الشاعر،وينسجم مع رؤيته الحداثية للشعر، كما يوافق نظرية القيمة عند "ريتشارد" بأن " الشعر تفسير أي معرفة العالم والحياة ". 
ختاماً، يمكننا التأكيد على جمالية النثر الشعري بموازة الشعر الموزون حديثاً، بالعودة لأصول كل منهما.وهذا ما سبقنا إليه الفيلسوف والمؤرخ "إبن خلدون" في أن " أساس الشعر والنثر الفني واحد." والإبداع يتكلم لغة واحدة ، سواء تزيا بالشعر أو بالنثر، فلا سلطة لغير النص فيه.إذ أن الشعر والنثر يغترف كلاهما من معين الحرف ،وعلى الشاعر أن يتيقن دوماً إلا أنه بين الحرية والفوضى خيط رفيع لايراه إلا المثقف المتمرس.

مسؤولة الدراسات النقدية في نادي وتريات قصيدة النثر

النص للشاعر كريم جخيور:
شعر

أن تكتب نثرا
عليك أن تفطم الكلمات
من ثدي القواميس
حينها ستشع وتبرق
 فلا تحتاج الى بوق نحاس
أو راوية ألثغ
أن تكتب نثرا
عليك أن تزيل عن جسد الكلمات
الدمامل والفقاقيع
فأنت لا تذهب مع دمية 
مهما برعوا في تجميلها الى السرير
حتى لو كان  وثيرا
أن تكتب نثرا
عليك أن تتثبت من قوسك
فالطيور تهادن صيادها لحظة
ثم تكسر صمت المكان
وكلما كانت دانية عناقيد العنب
فلا تقطف منها
إلا ما يزيدك فتوة وصحوا وبهجة
وعليك أن لا تذهب 
الى وادي عبقر
فما عاد صالحا لرعي الثيران المجنحة
عليك أن تقف وسط الريح
مخضبا بالرؤيا
تنظر الى شجرة الحياة
وتتعلم منها درسا في الفصول
google-playkhamsatmostaqltradent