recent
أخبار ساخنة

عربة الرغبة ... حيدر غراس

✒عربة الرغبة

... الجزء الأول ...

١
سراويل الليل الطويلة، ماعادت تخفي كدمات الوجع الشتوي. كومة أعقاب السجائر التي خلفتها معركة اصفرار الأصابع ونهم الشفتين،
نشرة الأخبار المتكررة كلبن خاثر، تلوكها المذيعة التي أفرطت بصبغ شفتيها، وفتحة صدرها كي تتصابى وأجزم أنها تعدت الخمسين..
التايتل السفلي للشاشة يجتر كل حين وبأخبار عاجلة أحداثا مرت عليها أيام وليال.
كنت حينها أتناول أخر حبة برتقال من الطبق أمامي. وكعادتي، لا أقشرها. بل أرمي القشور بعد افتراسها، وهي واحدة من عاداتي السيئة الكثيرة...
صوت المطر منذ الصباح يخفت كلما ارتفعت الأصوات المنبعثة من شاشه التلفار، 
بندول الساعة يشير أنها العشرون دقيقة بعد منتصف الليلة الشتوية الماطرة..
لكن الرغبة المجنونة تراودني أن أذهب للنهر الآن وأصطاد السمك!
قد تكون مجازفة كبرى في هذا الوقت، مع اضطراب الوضع الأمني فكل شيئ سيئ وربما لايحمد عقباه.
هي الرغبة الجامحة التي تنتابني بعد كل جفاف،وتطبق على تفكيري وتشل أشيائي.
المسافة حيث النهر لاتبعد كثيرا، بمقدار احتراق سيجارتين. 
برد قارس وظلام دامس، وأصوات الرصاص البعيد..
مع ذلك الأمر يلح علي كثيرا، كطفل أغرته لعبة شاهدها في السوق، لايدرك ثمنها ولا يهمه بأي سعر تكون، سأفعلها وأخرج. أحمل عدة الصيد البسيطة التي ترافق كل رحلاتي للنهر، نعم أفعلها كما فعلتهامرات أخر، فماعاد هناك شيئ أخشى أن أخسره بعدما تساوت ألأشياء.

٢
الطريق الترابي الضيق الذي يقود للنهر يغوص بالطين والأعشاب المتكسرة بفعل الريح العالية التي زاحمت هطول الامطار،
لكني من فرط ذهابي وعودتي منه حفظت معالمه ومواقعه خطوة خطوة، ست مئة وأربعة وثلاثون خطوة بالضبط وأصل. ماعادت تغوص قدماي كما كانت حينما كنت صغيرا أتوه فيه وأقع في مطباته.
البرق يشكل فلاشات ضوئية يتبعه الرعد الصاخب يشعرك أن في السماء قيامة كبرى،
فتشع الأشعة المنعكسة على رؤوس الأشجار القليلة ورؤوس النخلات القرعاء، وتشكل هالات حمراء وصفراء مخيفة. لم أعبأ لهذا، مضيت في الطريق والرغبة مازالت تلح على كل أشيائي، تقودني مغمض العينين غير مبال بما يحيطني وبما لايحمد أن يكون.
بت أقترب من النهر، لاح سكون جرفهِ من خلال ومضات البرق التي تتلاقح في السماء،
لم يكن الظلام بذلك الدكن، رغم دثار الغيم لعيون القمر، اقتربت أكثر وأكثر والرغبة في الاصطياد تأخذ بعدا أكبر..
ثمة حركة شعرت بها وصوت أنين مخنوق،
تباً ماهذا...
"أف لك مديحة ماكافي عباس لن يعود؟"
هذا أول مانطقت به حين وجدتها قرب الجرف بعباءتها الملطخة بالطين والمطر،
مديحة لم تكن تسمعني او هكذا خيل لي،
فقد تجمدت حواسها مذ أكثر من سنتين ونصف بعد غرق عباس أو كما أخبرونا بذلك، فلم تطف جثته، وكل المحاولات بانتشالها من عمق النهر باءت بالفشل.
اقتربت منها أكثر، كانت كومة عظام تغطيها عباءة سوداء. غائرة الملامح والسحنة الداكنة علت محياها رغم امتزاج الظلام بومض البرق.
كنت أشعر أن النهر الان جاء يقدم اعتذاره اليها، ويبصق بوجهي كلما رددت على مسامعها عباس لن يعود..

.
.. يتبع الجزء الثاني..
.
. حيدر غراس... العراق
google-playkhamsatmostaqltradent