الهدوء الذي يشوبه الترقب يدهشني حقا حين ابصر الحواري احمد جبار غرب، اراه يرقب الكون مثل كاميرا بالف عدسة، يمتليء بالاسئلة ، فينطلق سريعا صوب من يعرف ويريد من ساسة البلاد وسدنتها، يضع الاسئلة المعدة سلفا، ويترك حرية الاجابات التي قد لا تتفق وما يبغي ويريد، الساسة في بلد تحف به الانكسارات ، اكثر حيلة ومكراً من غيرهم حين يجيء امر الانحدار والفساد، لكن غرب يرنو الى السطور موضحاً ومدققا، وان كنت اراه لمرات ينزاح باتجاه رغبات المطبوع الذي يتعامل معه ، يضع الاسئلة ويطالب باجابات تتفق وهدف المطبوع وغاباته،لكنه مع المحاورات الاخرى يبدو اقل قصدية ، واهدأ نبرة، وادق في اختيار معارفه وطرح ومتابعة هموم المثقف واوجاعه، بدأ احمد جبار غرب سارداً، اشرت في مقدمة كتبتها عن مجموعة سردية اصدرتها دار الشؤون الثقافية ، اتمنى لوبقي داخل الاطر السردية، لكنه مالبث ان تراجع صوب العمود السياسي الناقد والمراقب اليومي، يدقق ويشخص ، ولكنه غير معني بوضع الحلول او متابعتها، ولان الصحافة لعبة، ونار تأكل كل ما يكون امامها، راح غرب يدخل ابواب الحوارات التي جمعها في كتاب فيما بعد، حوارات لا تلتزم سياقا معرفيا واحدا، سارت من اليسار الى اليمين، ومن الادب والفن، الى الحياة واضطراباتها، وبكل هذا كانت هاتيك الحوارات تشكل انساقا معرفية يمكن اعتمادها كمصدر دراسي، لما فيها من دقة السؤال ورحابة الاجابة، رحلة متعبة حقا، لكنها مع غرب اتت اوكلها فعلاً، تمكنت تلك الحواريات وهي الاقل داخل المشهدية الثقافية العراقية، من جذب المتلقي اليها، ود لو ان غرب استمر بمثل هذه الكشوفات التي تعتمد عليها كبريات الصحف العالمية، فلماذا لا تمنحها اعلامياتنا السبق الاول، ولماذا صارت مهمة الضعف اكثر مما هي مهنة الكشف والجدل، وتوضيح الفكرة والمقصد؟ تلك واحدة من اشد المعضلات قسوة لكن احمد جبار غرب ، بحنكته وهدوء تأملاته استطاع تقديم النموذج الحواري الادق والانفع، ولسوف اشير ايضاً، ان غرب قد تصيبه الخيبات فيهجر الامر باحثا عن مكان وفضاء قد يجد نفسه القلقة فيه، الخيبات هي الحسم الذي يجعل البعض يتراجع، او هو يبتعد كلياً، وقراءات الوقت تشير الى ان القلق والخيبة بازدياد، لكن حوارات برسم الجمال بجزأها الاول.. ستضعه عند هم البحث والتقصي من اجل جماليات معرفية اخرى.
