recent
أخبار ساخنة

تداول الأسطورة تغذية المعنى أ. ناجح المعموري

تداول الأسطورة تغذية المعنى
ناجح المعموري

كتابة الرواية امتداد للمحكيات البكرية التي ابتكرتها الجماعات وجعلتها وسيلتها الجوهرية التي دونت عبرها حياتها وتفاصيل مجالاتها المركزية وصراعاتها مع المجاور لها او البعيد عنها ، حتى استدعت كل ما مخزون في ذاكرتها وجعلت منه خزان حافظ ، امن لكل ما عاشت وعرفت من معارك صاغت بطولات جمعية او فردية ، انفرد منها فرد واحد واختارته بطلاً او ملكاً ، والانموذج بذلك سردية جلجامش ، وعموماً ، انفردت الجماعات اللاهوتية لاعداد كل تفاصيل الحياة اليومية للافراد والجماعات ومن بين ذلك التفصيل المهم جداً ، وهو الدين او نجحت بالتعبير عنه بالاساطير ، حتى مازلنا نذهب اليها للتعرف على ثقافة جماعة ما ، او شعب من الجماعات .
مثل هذه السرديات / الروايات بمصطلحها الجديد الذي نزع صفة الروي ، الراوي وقدم بديلا له الاسطورة التي هي حقيقة ما كان يجري وحصل تمثيله بدقة . لكن لابد من التذكير بأن لاهوت الدين ، تنوعت مغامرات عقله الاول وهي بدئياته التي شغلت جغرافيا واسعة جداً من هنا منحتني الاسطورة ما لم يستطيع الحصول عليه شخص / مثقف اخر . واعني بذلك عندما اقرأ ، العب بمهارتي التي تقودني الى الاسطورة ، الغرائبيات ، لانني اعيش مهارتي وكل ما يتوفر لي من طاقات عندما استمر بفحص النص السردي الذي يظل حاضراً وانا اقرأ ، لاني الاسطورة تدب معي وتتعرى لي ، ليست هي ، بل انا اقودها بهدوء وبطء واقشرها تدريجياً . 
التقشير مصطلحي الذي اطلقته ، مستعيناً بالاسطورة وما يتمثل بوضوح في كتابي " انانا جلجامش وشجرة الخالوب / تقشير النص / وتحمس له د. ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وايضا تحمس ضده د. نائل حنون خبير الكتاب وتحمس له لكني طبقت هذا المصطلح اثناء السرد ، معتمداً عليه ، ليس لان الرواية او القصة متكتمة كالاسطورة ، بل لانهما يستجيبان للقراءة والفحص والتأويل ، بمعنى يتكشفان تدريجياً ، ويمنحان لي ما اريده من النص ، حتى انتهي منه لكني لابد من الاعتراف باهمية ما قاله ابن عربي حول ضرورية التأويل وما يتوفر عليه من امكانات تأويلية لانه لا يكف عن ذلك ، لحظة كشوفه التأويلية ، لان النص يعطي ، ويقف القارئ على عتبة جديدة ، يجب ان تقوده حول تأويل جديد . لان القارئ المهم لا يتوقف عن القراءة او الفحص والتفسير ، بل يذهب باهمية مرة اخرى نحو الحفر والتنقيب . لكني لابد من القول باهمية التفريق بين النص السردي او الشعري والاسطوري الذي يتخندق حول شبكة رمزيات ومجازيات غير قابلة بالتعطيل او التوقف ، هذا بالاضافة التي تقود بوضوح الى ان السرد لا يغادر دينويته ابدا ، بينما الاسطورة راضية ، وقانعة بمقدسها الذي اخذها الى الدين ويمنحها كل ما يملك لان الاسطورة هي الحكاية الواصفة لتفاصيل المقدس . 
الاسطورة هي محكايات المقدس وخطابها الوحيد . والاسطورة ليست بعيدة عن الاجناس الادبية كلها ، بل هي قريبة منها ومنحتها آليات التوظيف الجديد والابتكار كي تحوز على اهم عناصر الميثي وتعيد انتاجه ، لذا تعرف جميعنا كم من المسرحيات التي كتبت عن اسطورة او ديب ومن هي الاكثر تميزاً واضافة لافتا للانتباه والتمجيد .
وبالامكان القول بأن تحولات الاسطورة في الاجناس تمنحها حياة وحيوية وطاقة خالدة تغذي الذاكرة الانسانية وتضفي عليها ارادة للذاكرة . لكن من الضروري ان اقول بأن الاساطير العظيمة التي يتم تداولها بوصفها روحاً خالدة لا تقف او تسببت ، بل تؤكد سيرورتها غير البعيدة عن الاصل . كما ان قبول التشارك بين الاسطورة والاجناس مجال جوهري ومركزي ولابد من معرفة حيوية الاجناس الراضية دخول اللعب مع الاسطورة واعادة ابتكارها من جديد وكنت قد كتبت محاضرة قصيرة بعنوان " الاسطوري المحبوس " وقدمتها في ملتقى للقصة زمن النظام المقبور ورمزت بالمحبوس للوطني المعارضي وانتبه د. سلمان الواسطي لذلك وعقب على ما قدمت واشار الى ان هذه الثيمة التي تحدثنا عنها المتحدث معروفة كتاب للعالم يونغ والكتاب غير مترجم والمعموري لا يجيد القراءة بالانكليزي واردف د. سلمان الواسطي قائلاً اتضح لنا بأن خطاب الاسطوري يعني نظاماً سيميائياً وهو لا يختلف عن خطاب الادب . 
والتماثل واضح بين هذين الخطابين / النظامين ، وذلك لانهما نتاج للغة وان كان بدرجة ثانية " فوق نظام اللغة الطبيعية " . لكن لا نتمكن تجريدها من نظام التواصل ، على كل الصعوبات الحافة بالاسطورة وما يميزها عن الادب ما جعل الاسطورة نصاً بدئياً ، البطل والمقدس هما متشاركان بوحداتها السردية واذا فقدت الاسطورة مقدسها ، غادرت صفتها الميثية ، وتنحرف نحو الحكاية الخرافية .
المقدس اسم منطوق ، وهذا امر حتمي / لان النطق من خصائص المقدس وهو حقيقته الاولى في العتبة البدئية وهذه واحدة من حيازات السرد للتعريف بالعناصر البنائية فقط بمعزل عن صفته المقدسة . وتظل القداسة حجر الحضور الجوهري في الاسطورة ، وما يقابلها في السرد هو الدنيوي فقط . قال د. محمد عجينة / يكون ابسط وجود هي العلاقة البنيوية بين الادبي والاسطوري في تجاورهما اي اشتركها في فضاء / زمان واحد هو تضمين ومعناه تضمن او رواية اسطورة وما او رنزاً اسطورياً من شخصية او فعل او وحدة اسطورية " اي ميثما " على نحو واضح او خفي . واذا نظرنا الى خطاب الاسطورة او خطاب الادب من منظور بين اثنين ، احدهما اني والاخر زماني ، وجدنا ان الاساطير يمكن ان تتشظي مفرداتهما ، من مفردات لغوية ومن اسماء او ميثيات في شكل فسيفساء تتجمر في الفاظ اللغة وتراكيبها امثال قوالب جاهزة . يتضمنها الادب ويتمثلها مادة اولى ينبني عليها نظامه وقد تجاوز العلاقة مجرد بضمن الادب وتمثله مفردات اسطورية الى علاقة من نوع اخر ، علاقة بنيوية توليدية وهذا بالذات ما يحدث في الاسطورة الادبية ، وهي شكل و؟؟؟؟؟؟؟؟؟ للاسطورة / / د. محمد عجينة / ن . م / ص 58//
والحديث عن زمانية الاسطورة قليل التداول وحضوره نادر في الدراسات البحثية والنقدية لهذا المصطلح حديث اخترق الدراسات البحثية والميثولوجية التي انجزها الاخر وتعامل مع الاسطورة باعتبارها ذات زمان ومكان مطلق والمح ليفي شتراوس لذلك في بدايات اشتغاله ، لكن الدرس الجديد والمناهج الحديثة ، استطاعت وتحديداً ما قدمه رولان بارت في كتابه المهم " الاسطورة اليوم " وبعض الاشارات الجوهرية التي سجلها شتراوس . تبدّى ملاحظات بارت واضحة عن تحديدات الاسطورة بالزمن غير الطويل مثلما اشار لذلك حمادي المسعودي في كتابه " متخيل النصوص المقدسة في التراث العربي الاسلامي " وقال بأن الزمن محدد وقصير ، ومثلما اشار الطبري الى ازمنة قصيرة في الخلق ، اما الزمان فهو التاريخ الطويل والسرديات الكبرى . اما ليفي شتراوس المح بأن " الاسطورة تشير الى وقائع حدثت منذ زمن بعيد وما يغطي الاسطورة قيمتها العلمية هو ان النمط الذي يضعه غير ذي زمن محدد . انها الماضي والحاضر والمستقبل وتتضمن الاسطورة على زمن قابل الاعادة ، كذلك الزمن غير قابل للاعادة ولغتها لها خصائص التزامن والتتابع التي اكدها دي سوسير / كلود ليفي شتراوس / الاسطورة والمعنى / ت: د. شاكر عبد الحميد / بغداد / وزارة الثقافة / 1986/ ص5//
اما العالم يونغ فقد قسم الابداع الى نوعين : الاول سايكولوجي وهو الذي يعالج مواد مستمدة من مجال الشعور الانساني مثل دروس الحياة والصدمات العاطفية وتجارب الحب ، اما الثاني : فيسميه الابداع الكشفي والتجربة فيه ازلية تفوق قدرة البشر على الفهم / عبد الفتاح محمد احمد / النهج الاسطوري في تفسير الشعر الجاهلي / بيروت / دار المناهل / 1987/ ص18// ومعروف بأن الاسطورة هي المجال الحيوي ، الذي يغذي الانسان ويمنحه فرصة عظيمة لتنمية اللاشعور الجمعي ويتراكم ويكرس مخزونه ولهذا الخصائص مميزات تنفرد فيها الاسطورة وما تغذي اللاسطورة فانها وحسب مفاهيم يونغ ، تمتلك طاقة حيوية على التقشر وانبعاث جديد يجعلها متطورة . حتى قال يونغ بانها قادرة على ولادة نفسها كل ساعة ، بل كل لحظة .
ومثلما ليفي شتراوس لا يكمن جوهر الاسطورة في تنشيطها عند مستوى مرتفع بشكل خاص بحيث تتابع المعاني بشكل الخلقته اللغوية لها في حالة حركة دائمة وبهذا تزود الانسان بصورة عن العالم الذي يعيش منه ، ونماذج منطقية تكون قادرة على قهر التناقضات التي يواجهها الانسان في الواقع / ليفي شتراوس / ن . م/ ص6//
ومن الضروري التذكير بأن الزمن الاسطوري دائري ومتكرر ومبني على تتابعيه زمنيه اجبارية والاحداث منه معللة نسبياً ، لكنها مرتبطة بالعنصر المأساوي وتنتهي اليه على انه يمكن للزمن الاسطوري ان يتحول الى زمن تاريخي / زياد جلال الى السيمياء في المسرح / عمان / وزارة الثقافة 1991/ ص79//
فقد كشفت الدراسات الانثربولوجية والاتنولوجية الحديثة عن علاقات عميقة بين الاسطورة والتاريخ ، فليست الاسطورة الا المراحل للمعرفة التاريخية ، وليس التاريخ الى التطور المعرفي الموضوعي للاسطورة / محمود امين العالم / اربعون عاماً من النقد التطبيقي / القاهرة / دار المستقبل العربي / 1994/ ص15/
تبلور لي رأيها عن الالية التي استطيع من خلالها تحديد تاريخ الاسطورة ، وذلك عبر النظام المهيمن عليها والعناصر المساهمة بتكوينها وصياغتها وصعود الجدل الثقافي والديني وبروز نتائج الصراع ، ولعل اهم هذه المهيمنات اسماء الالهة وتمركزات الوحدات الثقافية وتصاعد اللاهوت الديني . ولكن لابد لي من التأكيد على ان التاريخ لا يحدد بشكل دقيق ، بل يلوح شفافاً ودلبيلي على ذلك الصراع العنيف الحاصل بين ملحمة جلجامش وملحمة الخليقة وانكشاف المرحلة التقريبية .
للزمن وجود في عالم الاسطورة التي تعكس الانماط الدورية لامكانات الوجود الانساني الثابتة ، لكن الاسطورة كنسق لا زماني بمقدورها ايضا ان تؤدي وظيفة اخرى ، فقد تكون رمزاً لتشكل ونموذجي من الشخصية ، بل عن توحد مع الجنس البشري عموماً . وقد تنقل الاساطير حساً بالاستمرار الزمني الى ذات الانسان ولعل هذا ما يضفي اليها سمة العظمة رغم العناصر اللاعقلانية والمأساوية التي تحويها وتعبر عنها / هانزمير هوف / الزمن في الادب / ص91// 
الزمن الذي يومئ للمجال / الحقيقي ، الرياضي ، هو العام / احمد حمد النعيمي / ايقاع الزمن في الرواية العربية المعاصرة / المؤسسة العربية للدراسات والنشر / بيروت / 2004 / ص71//
للمكان وظيفة في الاسطورة تومئ لمجال حدوث الصراع بين الانسان / والمقدس ، الالهة والملوك والمكان قادر على احتواء تنوعات الجدل ، الصراع . لكن في النصوص الاسطورية الموسعة ، فانها تنحرف عن مركز المكان وتمتد نحو اخر ومتعدد ولتنوعات الامكنة انعكاسات معلومة . لي ملاحظة حول قراء الاسطورة القلائل وفي ذلك فقر ثقافي ويتمظهر هذا في الكادر التدريس الجامعي باستثناء بعض الاسماء القليلة جداً . والاستاذ الخائف من الاسطورة ، يطردها في قاعة الدرس وحتماً سيكون الطالب مثيلاً لاستاذه واستمرار مثل هذه الظاهرة يعني تغيب الميثولوجية . وارى بأن العلوم الانسانية لها دور جوهري . ولاحظ المتلقي زوغاني عن نمطية السؤال للحوار ، واخترت قصدياً ما اعتنيت به منذ عدة عقود . والتابع للوسط الثقافي يواجه مقالات قصيرة وتقليدية تنشر في الصحافة الثقافية واسماء معروفة جداً ترتكب هفوات في الاراء والمفاهيم ودائماً ما يلاحظ السطو ؟
ودائماً ما يواجه بعض الشجعان من الاساتذة صعوبة في دراسة مشروعي الثقافي وهذا كاف اتأشير ما يحصل في الدرس الجامعي ، مضافاً الى انني اجد في احياناً قراءاً للاسطورة او الانثربولوجيا .
سأختتم اجابتي وتشاركني في هذا الملف المهم واختصر قائلاً بأن الاسطورة سردية خاصة بالالهة ، ذات اهتمام بالمقدس وتراقب الصراع الذائرتين الالهة والالوهات في زمن بدئي يدخل ضمن صراعات ملوك وانصاف الهة . وما يعكس في النصوص الشهيرة لنا انعكاس للحظة عتبة ابتداء الثقافة والدين لانها زمن مبكر معلن عن الحياة التي تدب متحركة من خلال اساطيرها التي لا تتعطل ، لانها مقترنة بالجماعة ومرجعها المزدوج ولا يجوز في الان نفسه اغفال هذا المرجع . وكرس د. محمد عجينة اهتمامه الاكاديمي وقدم كتاباً مهماً للغاية ، كاشف عن عمق ثقافته ودقة فحص للاسطورة وتبدياته لرموزها ، معتمداً وبذكاء واضح على اثنين من ابرز المفكرين في الميثولوجيا وهما مارسيا الياد . وريكور ونهل في فكر كاسيرر ووظف توصلات علماء النفس واشار احد الباحثين الى عمق ما توصل اليه د. محمد عجينة من مفاهيم ملفته للانتباه ، متجاوزاً مظهرها السردي الى مستوى يؤدي اليه تحليل عناصرها ودرس الوحدات الاسطورية وعلاقات تقابل او التماثل التي تكون بينها بحسب مختلف الشفرات وتوزيعها في جدولين افقي وعمودي الى للوصول بنية الاسطورة التي تؤدي تحولها الى رواية اخرى كما قال الاستاذ سهام الدبابي السيساوي .  



google-playkhamsatmostaqltradent