محمد ربيع حماد
تسليم
كان الصوت حادّا في الظلام، صعقني حديثهم عني:
_ألم ترَ غروره؟
_نعم ظنّ أن اللهَ لم يخلق غيره!
_صحيح يا لغبائه، ما ظنه بتلك الحسناء حين تزوجته؟
_ آه منكَ تعلم كل شيء! يقينا أوقعَت به لتنعم بثرائه.
آه يا أولاد الكلب! تخشّبَت أعضائي،
حسنًا، سألقنهم درسًا، الدّم مُتجمدٌ في عروقي،
شحذت قوتي، هممتُ لأجهزَ عليهم؛
اصطدم رأسي باللحد.
غُربةُ روحٍ
الطريقُ ما زالَ سَاخرًا؛ سِرْتُ عاريًا، إذ عقَّني قلبي، قفزَ من صدري عائدًا، تبعتهُ مُرْغَمًا، أَقْتفِي أثرَهُ. غدوتُ صاحبَ شَركةٍ، اتخذتُ مسكنا حديثا تزوَّجْتُ عن حُبٍّ، تطل شرفتي على المحيط، أغطَسُ كلَّ جُمْعةٍ، أبحثُ عن وطنٍ في القاع.
عرضٌ مُستمرٌّ
مسرحٌ أحمر، إضاءةٌ خافتةٌ، أطلقَ "المايسترو" إشارة البدء، أبدعَ الموسيقيونَ عزفَ "كونشيرتو الحرب" انتهى العرض، لَملمُوا آلاتِهم ومَضوا، هنالكَ في الجانب المظلم من العالم؛ ما يزالُ القتلى يتساقطون طَربًا.
وَيْلات
تكوّرَت على نفسِها، يلفُّها ضبابٌ مطعمٌ بغازٍ يخنقها، تبصقُ على تقريرٍ أممي قد سقطَ من يديها عنوةً، تستجمعُ قواها، تنهضُ، ثمةَ تقريرٍ عن تعددِ الجنسياتِ في أحشائِها؛ أعدمَتهُ.
شيءٌ من اللَّا وعي
استترت خلف ناقذتها الزجاجية، نبأها حدسها بطيف لا تخطئه، تماهىٰ حنينها مع ظلٍّ يغادر برويةٍ، أشرعت النافذة، ابتسمت لحبيبها، ثم أمطرته، بوابل من القبل الهوائية، بعد ما أسبلت على كتفيها شعرها المستعار، لتواصل حلمها بأناقة.
رَحِمٌ
شرذمَتنا الحرب، التحقتُ بصفوفِ المُهاجرين، واختارَ توأمي البقاءَ، مضىٰ كُلٌّ إلى غايتِه، في إحدى اتصالاتنا كان يتكفَّأ في مَرمى وابلٍ من رصاص، يصرخُ بقهرٍ وهلعٍ: يا إلهي!
ساد صمتٌ، جُنَّ جُنوني، أُغشىَ عليَّ، هنا علىٰ ضفَّة النهر؛ أخرجوا من صَدري نصفَ رَصَاصةٍ.
كيان
نظر شزرًا من علٍ، كان على فرس للسباق أبيض، على الطاولة ينجز الحكام مهمتهم، أطلقت رصاصة البدء، اسُتنفرت عاديات السباق، يشعل صهيلها أجواء باردة، أخذ بلجام فرسه، لم تنتكس حماسته حتى خط النهاية، نظر فزعًا إلىٰ أشباحٍ تمتطي خيلًا سوداء، يتبادلون التهنئة، قطع شريانه ليوقن بالدماء؛ كان الإنسي الوحيد في المسابقة.
إشارات
قدّم قهوتها، وأومأ برأسه تحية الانصرافِ
غمزها الزوج، متهكمًا على صدرها المتدلي
قبل ذهابه مسحَ النادلُ علىُ رأس حزنها بعينيهِ
أخذت تقهقه، بينما يدوي أنينها في فراغ الفنجان.
فاقدُ الشيء
الطبيبُ النفسي الذي نصحني كثيرًا: حِبّ ما تعمل حتىٰ تعمل ما تُحبّ؛ ماتَ بجرعة مُفرطةٍ من الأحلام، وها أنا أبيع الوسائد في الطرقات ولم أتخلص بعدُ من الأرق.
ربما كان ولدي
طفل يجولٌ في المقهى، وصوت من خلفه ينادي.
_حسام!
ما إن سمعت الصوت حتى أتت ذاكرتي بصاحبته، تفحصتها برويةٍ، فطنت إلى ارتباكها حتى انتهى نظرها إلى أسفل، ثم تماسكَت، أنهت عملها ولم تمد يدها إلى الطاولة التي نحن بها، وانصرفت بعد نظرةٍ عميقة إلى وجهي.