recent
أخبار ساخنة

صورة - قصة قصيرة - محمد السعيد- مصر

صورة 
أمام إصرار الأبن، وعناده، رضخ الأب لرغبة الإبن. جلس علي كرسيه المفضل في الصالة أمام التليفزيون  ،في استسلام كامل، كمن رفع يديه مستسلما للزمن ،الذي  تمثلت رغبته في رغبة الإبن في الهجرة إلي أمريكا. جبهته العريضة رسم عليها علم أمريكا، وخريطتها الممتدة شرقا وغربا ،طولا وعرضا .
أي دمعة حزن لا لا 
أي جرح في قلبي لا لا 
حتي نار الغيرة لا لا 
تهادي إليه صوت عبد الحليم، من التليفزيون، كسيمفونية عمر ولي وانقضي ،رحلة لم يتبقى منها  إلا القليل .تمثلت في قلب الأب صورة ولده عصام في اللفة ، ثم وهو يحمله في السبوع. ثم صورته في الحضانة ثم المدرسة تبعتها الجامعة .
سمع صوت إبنته سمر،  إبنة الثامنة عشر ،وهي تحذر أخاها :خلي بالك من بنات أمريكا؟ 
تعالي أجوزك من مصر أحسن  .فيما دارت أم عصام دموعها ،وهي تعد.صينية الشاي لأصحاب عصام .حمل عصام الشاي ،واتجه إلي غرفته .فتح الغرفة ،فوجد أصحابه يبحلقون  في صورته المطبوعة في قلب جواز السفر ،وكلهم ذهول وعدم تصديق .
سأله أحدهم :هل ستتزوج من أمريكية؟ 
لم يجب عصام الغارق أصلا في بحر من الرؤي والأحلام، لا يدري ماذا يفعل ؟.لم ينم منذ الأمس. إنتابه قلق عظيم .ود من أعماقه لو تركه أصحابه وحده ،للأفكار والأحاسيس والمشاعر التي تعتمل داخله ،وحوله. فكر بعزم :أمامي الكثير للعمل ،حجز  الطيران ثم بعد ذلك تأتي باقي الترتيبات، كتغيير مبلغ مالي إلي دولارات،ثم جمع عناوين الأقارب المقيمين في امريكا. 
أحس أصحابه إنه يريد أن يبقي وحده ،ربما لديه أشياء يود عملها،فتركوه .تركهم عند الباب ،وعاد لغرفته. 
عاد دون أن يشعر بوالده الجالس أمام التليفزيون. عاد كمن غاب عن الوجود في ظروف استثنائية. أدار أغاني أجنبية،ثم ذهب للمرآة ،ووقف أمامها يحدق في جسده المرهق، وعينية الذابلتين المحوطتين بهالات سوداء ، من السهر  والأرق الذي لازمه طيلة ليلة الأمس. حدث نفسه مشجعا :yes  how are you? fine. عاد ناحية السرير وألقي بنفسه في أحضانه،واستسلم لنوم عميق .

                                   2
كان يعد حقيبة سفره ،بينما دخلت منال حاملة أنبوبة معجون الأسنان والفرشاة في يديها . اقتربت منه  ،وقالت :خذ يا سيدي ،لا تنسي غسل أسنانك في أمريكا،ثم خرجت ،وهي ترمقه بعينيها  .كان مابين اليقظة والنوم ،لم يكن متأكدا إن كانت منال هنا واقعا أم أنه حلم ،وهل أعطته فعلا معجون الأسنان أم لا ؟تقلب علي جانبيه، ثم فتح عينه علي ظلام الغرفة .
-كانت أمه قد وعدته :إذا عدلت عن فكرة السفر ،سازوجك منال ،إبنة خالتك فهي تحبك .لكنه علل رفضه بكثرة فرص منال ،فهي جميلة أما أمريكا فلا تأتي إلا مرة واحدة !!
كان المساء قد حط رحاله في البيت الكبير ،وبركت جمال الوقت  مؤقتا ،كما خلي  البيت من روح الفكاهة ،وحلت محله روح السفر والبعاد. 
أعد كوب شاي ،ثم فتح شباك غرفته علي نسمة ليلية من مساء يوليو العليل ،رشف من كوب الشاي ،وجعل يحلم بتمثال الحرية ،وبصالات الديسكو التي تعج بها نيويورك. اصطحب فتاة شقراء كفارس عربي أصيل،  جاء لينقذ نيويورك من الفتنة والضلال. أضاعها فأضاعته، أزاحت  الستار  عن صدرها ،فاستراح  صدره .ساعات قليلة يتحرر فيها العالم من الأسر والعبودية. 
-العشاء 
أعاده صوت أمه إلي الواقع قليلا ،سحبه غصبا من بين أحضان شقراء نيويورك. تضايق قليلا لكنه قال لنفسه مصبرا  :أيام أو ربما ساعات وستكون في نيويورك وحدك،  بدون إزعاج. 
خيم الحزن علي مائدة العشاء ،كان الجميع يأكل بدون نفس .رفع الأب معلقة الشوربة إلي فيه ،وهو ينظر إلي عصام ثم قال :هل مازلت مصرا علي السفر؟ قال عصام :نعم يا بابا ،ثم قام دون أن يكمل عشاءه. فيما تبودلت النظرات بين الأم والأب والابنة سمر .
                           3
مرت الأيام سريعا ،جمع عصام عناوين كل أقاربه، وأصدقائه في أمريكا ، وغير مبلغا محترما أعطاه له والده إلي دولارات، وحجز ذهاب وعودة نيويورك القاهرة ،ولم يعد يتبقى إلا ساعتين علي الطائرة، وحمل حقيبته، ونزل بعد أن قبل أمه واخته اللتين بكتا كثيرا لفراقه. نزل مع أباه، ووضعا الحقيبة في الخلف ، وانطلقت السيارة إلي المطار. جاهد الأب أن يبدو متماسكا أمام إبنه، ربت علي كتفه ،واحتضنه ثم تركه وعاد إلي السيارة ،وبكي. ختم الضابط الجواز ،ليمر عصام .ركب عصام الطائرة، وربط الحزام ،وانتظر حتي أقلعت الطائرة. 
كان يشاهد السحاب، بجانبه من شباك الطائرة ،وهو يستمع إلي موسيقي خفيفة .تذكر والده ووالدته واخته سمر ،ثم تذكر أصحابه. ثم أتت المضيفة بالوجبة الأولي ،فأكل ثم استسلم لنوم هاديء. 
                               4
مرت شهور ،وهو ينتقل من عمل إلي  عمل حتي استقر به الحال  في إحدي المصانع ،حيث عمل كحمال
،ونصحه أحد المقربين ،ألا يترك العمل لأي سبب من الأسباب. وفيما هو جالس في وقت الراحة ،قرر أن يكلم أسرته تليفونيا .وقف عند كابينة صغيرة، بجانب مطعم المصنع ،واتصل 
-ايوا يا حبيبي ، كيف حالك ؟
الحمدلله يا ماما ،حصلت علي وظيفة ممتازة ،أعمل كمستشار هندسي يا أمي في إحدي المصانع.
google-playkhamsatmostaqltradent