جماليات الأشكال الوجيزة في الشعرية العراقية
( القصيدة القصيرة) ورهان التجديد
ملخص البحث
--------------------------
شهد مفتتح الألفية الثالثة شيوع انماطٍ ابداعية في الشعر والقصة اتسمت بالإيجاز والتكثيف والإختزال وامتدت لتشكل ظواهرا منظورة في الأدب العربي المعاصر بعد ظهورها منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كمحاولات تأسيسية وجدت في التوقيعات التي الفها الشعر العربي منذ العصر العباسي وأقام عليها الشاعر عز الدين المناصرة مشروعه الشعري الجديد في القصيدة القصيرة ، وصار بالإمكان تسميتها بالأشكال الوجيزة تمييزا عن تلك الأشكال التي اتسمت بالطول ومضادة لها في الشكل والموجهات البنائية وحتى الفكرية سواء القصيدة العمودية او قصيدة التفعيلة ، ومن هذه الأشكال هي القصيدة القصيرة وقصيدة الومضة بمسمياتها المختلفة كالشذرية واللمحة واللافتة والأسئلة واللاقطة والفكرة وسواها من التسميات حسب كل دارس ، الا اننا نتفق مع الدكتور احسان عباس والدكتور عز الدين اسماعيل الى أن جميع هذه الاشكال تنظوي تحت مسمى القصيدة القصيرة ، ومن المؤكد أن هذه الأشكال قد حازت على سمات جمالية وسمتها بالتأثير والمغايرة والتجديد ، لذا فإن بحثنا هذا يسعى الى الكشف عن جماليات القصيدة القصيرة وامكانياتها البنائية والإسلوبية والفكرية التي تضعها في منطقة التجديد وتماهيها مع تسارع العصر ومخرجات الحراك الاجتماعي المتصاعد والمتسم بما اتسم به العصر من تحولات سريعة تتطلب تجديدا في الساكن من حركية الشعر العراقي ، اذ يتكون من مقدمة ومبحثين وخاتمة ، ففي المقدمة تتبعنا عوامل ظهور هذا الشكل في حركة الشعر العربي وحيازته على استجابة الشعراء والمتلقين على حد سواء ، ويتكفل المبحث الاول من البحث في تحديد السمات التجديدية لهذه القصيدة التي تكسبها فعلا جماليا يغاير به ماسلف من تجارب شعرية لعقود سابقة ، فيما اختص المبحث الثاني بتقديم اجراء تضمن مقاربات نقدية لنماذج شعرية لشعراء ينتمون الى اجيال مختلفة نجدها ممثلة لهذا الشكل القصير على سبيل المثال لا الحصر وقطعا فإن هنالك نماذج أخرى كثيرة امتدت على مساحة اربعة عقود منذ ظهورها ، كما وجدنا في هذه النماذج المختارة حيازتها على توصيف القصيدة القصيرة لما امتلكت من سمات الاختزال والتكثيف والإكتفاء الدلالي وحضور الفكرة نتتبع من خلالها خطوات التجديد والتجاوز لهذا الشكل الشعري ، اذ أن عددا كبيرا من الشعراء العراقيين الممتدة مشاريعهم على مدى العقود الماضية اعتبارا من الستينيات صعودا الى العقد الاول من الالفية الثالثة قد كتبوا هذا النمط الشعري الذي اتخذ شكل قصيدة التفعيلة وكذلك شكل قصيدة النثر ، ويبدو ان الاستجابة لهذا النمط من قبل شعراء كافة الأجيال الشعرية كان مرهونا بالشعور بضرورة مسايرة ومجاراة لعصر يتسم بالسرعة والتحولات المستمرة واتساع في مساحة وسائل الاتصال الالكترونية الحديثة ، فضلا عن الإحساس بعدم استجابة المتلقي للانماط الشعرية التي صارت قديمة التي اتصفت بالسرد الخطابي والغنائية لمدة طويلة قد بدات منذ مرحلة الاحياء العربي وانتهاء بالانكسارات السياسية والاجتماعية التي وضعت الفرد العربي في منطقة الاستهلاك والخطابات الغنائية التي شكلت فواعل جفوة من قبل المتلقي ،فكان لابد من محاولة تجديد تعيد للشعر مكانته التي راهنت عليها اجناس ادبية أخرى كالرواية خاصة في العشر سنوات الاولى من القرن الحادي والعشرين ، ولعل بمحاولة التجديد هذه ستمد جسور الثقة مرة أخرى مع المتلقي الذي شكل الشعر واحدا من مكونات شخصيته الجمالية والمعرفية على مدى قرون طويلة ، الا ان هذا التجديد لم يكن بقرار فردي او رغبة طموحة في تجاوز السائد وانما كان بسبب من تجدد الحياة في ذوات الشعراء الذين وجدوا ان صخب الحياة ومايتسم به العصر من تحولات سريعة وحاسمة قد قوض القافية التقليدية والوزن الخليلي الرتيب بفعل تشابك الحياة وتغير سيرها ، وكما ابدع الشاعر الجاهلي شكله الشعري للتعبير عن حياته ، فعلى الشعراء ان يبدعوا شكلهم الشعري للتعبير عن حياتهم التي تختلف عن حياته حسب قول الشاعر يوسف الخال ، اما الخاتمة فقد تضمنت نتائج البحث التي من الممكن اجمالها بما يأتي :--
1 -- أن ظهور القصيدة القصيرة كان محاولة للخروج من نفق تقليدية الانماط الشعرية القديمة المطولة بما في ذلك العمودي وقصيدة التفعيلة .
2 -- ارتباط ظهور هذا النمط الشعري بحجم التحولات الحاسمة التي حصلت في ستينيات القرن الماضي على الصعيد العالمي والعربي والمحلي .
3-- نزوع الشعراء الى مد جسر الثقة والتواصل مع المتلقي كان تحت تأثير تسارع ايقاع العصر وتحولاته المستمرة .
4-- ان شيوع هذا النمط في العقد الاول من الالفية الثالثة وعدها ظاهرة شعرية متميزة كان محاولة لاسترداد مكانة الشعر في الحياة الثقافية والاجتماعية بعد زحزحته من قبل اجناس ادبية أخرى كالرواية .
5 -- لقد كان قصر القصيدة وسيلة لتركيز الفكرة وليس هدفا بذاته ، ومحاولة لتقديم الكثير من تفرد الفكرة باقل مايمكن من الكلمات والجمل.
6-- عدت القصيدة القصيرة خروجا من منطقة الغنائية الى الدرامية بتكريس الفكرة واللغة المتجاوزة للبلاغة القديمة القائمة على التزويق وفخامة اللفظ وفنون القول .
7 -- في الوقت الذي نجح فيه عدد من الشعراء العراقيين في كتابة قصيدة قصيرة نموذجية وحائزة على ممكنات التجديد فإن عددا غير قليل منهم قد اخفق في ذلك وظلت نصوصهم تدور في منطقة الغنائية المبسطة ولم ترق الى تفعيل درامية القصيدة للتماهي مع فواعل التجربة الذاتية والموضوعية .
8 -- اسهم غياب الدور الرقابي على المطبوعات وانتشار وسائط الاتصال الالكتروني والاجتماعي في ارباك ذائقة المتلقي عبر نشر العديد من النصوص القصيرة التي تنعدم فيها الاشتراطات الداخلية والخارجية للقصيدة القصيرة وتوقفت عند حدود الخواطر النفسية والغزلية الفجة .
9-- ابتعاد النصوص عن الالتزام بتجنيسية النمط الكتابي لهذا الشكل وذلك للالتباس الحاصل في فهم الضوابط الاجناسية للاجناس الادبية ، ولم يتوقف الامر عند الشعراء فقط وانما تعدى ذلك الى القراءات النقدية الانطباعية السريعة غير المسؤولة .