عشرون قصة قصيرة جداً – للروائي والقاص
حنون مجيد
,
الغزالة
زعلت الغزالة على بئرها لأنها حسبت موجة طرأت عليه أفعى. جف البئر حزناً، ثم لما عادت يوماً وجدته يفيض بالماء. لم تعرف الغزالة ان ما بدأت تشرب منه هو دمعه وأنه بريء مما نسب إليه.
الشحرور
أكثر الذين حزنوا على موت صباح الغابةُ، لكنها سرعان ما استيقظت على سعادتها إذ سمعت شحرورها يغني.
الشهر العجيب
تعجب إذ تقطع طريقها منذ أيام فلا تجد من يطعمها ساعات النهار، فتموء وتموء حتى يحل المساء، عندئذ وقد تكون ماتت من الجوع ، تلفي الطعام منثوراً على الأرصفة وفي بطون الحاويات. لو كانت تعي شيئاً مما يدور حولها لوفرت على نفسها التجوال نهاراً بين الدروب، ولفعلت مثلما يفعل البـشر في هذا الشهر العجيب! صديقي العجوز
إلى الفريد سمعان
صديقي العجوز كلما رآني قال لي؛ أراك تجمل كل يوم، ما يدهشني من صديقي ذاك أن عينيه الصغيرتين لا تتسعان إلا على الورود والفراشات.
صديقي الذي مات
صديقي الذي مات بعيداً عني، تذكرته الآن بعد عشرين عاماً. لأنني أحبه جداً قرأت على روحه سورة الفاتحة، ليتها تصل وليته يدري.
صديقي مهدي
صديقي مهدي الذي عرفته منذ خمسين عاماً، وحتى موته أشلاء متناثرة بعد السبعين في انفجار دموي، لم يزعل مني ولم أزعل منه إلا مرة واحدة، هددني فيها بعد يومين بان يرمي بنفسه في دجلة إن لم أصفح عنه. كان ذلك في مساء بارد ودجلة كالفضة المنسابة فعفوت عنه وليتني لم أفعل!
إستطلاع
الأبله الذي فجّر نفسه في تجمع عمال في خاصرة البياع لم يخــــــفف من غلواء حب الحياة، هذا ما سجـــــــله في سجلّه معلــــــــــــــمه عندما استطلع المكان.
وطن
قالت الفراشة لأختها؛ صيف بغداد لاهب.
ردّت الأخت؛ وشتاؤها قارس.
سألت؛ أتفكرين بالهجرة؟
أجابت؛ كلا.
كررت؛ ولماذا؟
تابعت؛ لأنه وطن.
في المتحف الستاليني
في المتحف ذاك رأيت ستالين بشاربيه الأسودين المتطامنتين، وعينيه الحالمتين، رأيت القتلى والاسرى وأبطال الحرب، المنافي والمقاومة والإنتصارات، الموت برداً وصبراً بين الثلوج الإغتيالات والحياة الجديدة القادمة، في المتحف الستاليني رأيت أكثر ما رأيت اللغز!
النيل
يجري على عكس أنهار الدنيا من الجنوب إلى الشمال، يروي ويسقي ويفيض؛عطشان والماء في يديه!
الوضع في العراق
سأله لماذا حرمتُ وغيري حصل؟ ردّ عليه؛ الوضع في العراق كالوضع في التمر؛ الشاص شاص والحمل حمل!
الموجة
وهي تغادر الساحل نصحت الموجة زميلتها القادمة أن تعود، فالساحل قلب جاف لا يستجيب لنداء، ردت عليها؛ لكي أشاطرك الرأي عليّ أن أمضي، فإن عدتُ كما عدتِ، أكون قد جربت.
هذا الصراع
لا صراع إلّا وله بداية ونهاية، ولا صراع إلا وفيه دهاء ومكر، ولا صراع إلا وفيه غالب ومغلوب، إلا هذا الصراع الذي لا أحد يعرف من الغالب والمغلوب فيه ومتى بدأ ومتى ينتهي؛ صراع الليل والنهار.
الزاهد
يجلس وحيداً ضاماً ركبتيه إلى بطنه الضامرة يقاوم به عراكها، كان ينوء بما يجري حوله، أولئك الذين يأكلون وهم يجرون ، أولاء الذين يحملون حوائجهم إلى بيوتهم، كان الوحيد الخفيف الذي إن أكلت معدته شيئاً أكلت نفسها، وهذا أعظم ما يمكن أن يعاقب به أحد أحداً لا همّ لديه سوى الطعام.
وحده العراقي
على قمة الجسر المحدودب ضجت مفاصلي. أشرت له بالوقوف. حتى الرأس القادم من الجسر رجاءً. في نقطة هناك توقف يشتري علبة دخان وغاب في لجة المتسوقين. ترك أمامي مفتاح سيارته، وحافظة نقود، وهاتفين.
المقهى
لو ألقيت نظراً فاحصاً على الأربعين رجلاً يغص بهم المقهى، لرأيت ثلاثة يتكلمون، وعشرة صامتين، إثنين يتهامسان، وستة يبسبسون، خمسة ينظرون إلى اليمين ومثلهم إلى اليسار، أربعة يفطرون، ومثلهم يشربون شايهم على مهل مقيت، واحداً يقرأ في كتاب، وعشرة مبللين يفرون إليه من مطر عنيف فلا يجدون لهم مكاناً فيه.
تقابل
يمشي وئيداً على مقترب الجسر، مازحته عن عمره فقال في الثمانين، وأنت في كم؟ قلت؛ في الخمسين، قال، مرحى لهذا العمر، وتقدمته بخطا مسرعة. كنت أحسده على عمره الطويل، وكان لا ريب يغبطني على قوتي الفتية!
مكتبتي
في مكتبتي آلاف الكتب، أدخلها فتناديني جميعاً. أكثرها شغباً وخفة، ذلك الذي تجوس بين صفحاته الكثر، حكم الحيوانات.
السلطان آخر الأمر
لما كان السلطان بسيطاً فكر بزيارة السوق ماشياً، ليرى في طريقه المزارع على حصانه، والفلاح يجر بقرته، والمكاري على حماره ، والحلاق في دكانه، والبزاز بين قماشه، لكن حاشيته من أمام وخلف، أغلقوا عليه الرؤية، وهرّبوا الفلاح والمزارع والمكاري، فإذا عاد وجد الملكة بانتظاره، ووزيره يضع التاج على رأسه، والرياش يهفّ عليه بريشته، والخادم يخلع حذاءه ويشطف قدميه، حتى كره أولئك؛ السوق والمكاري والحلاق والفلاح، كل أولئك وغيرهم من سقط المتاع.
المناضل