عبد الأمير خليل مراد
(1)
أَنَا بِشْرُ الحَافِي
الحُزنُ ضَمِيري وَلِحَافي
وَالدُّنيَا كَم رَسَمَت
في عَينِيَّ شَقَاءً
حَتَّى أَضحَى مِن سُحنَةِ أَوصَافي
(2)
أَنَا بِشْرُ الحَافِي
أَضمَتْني الدُّنيَا وَسَقَتني
صُررًا مِن شُوبٍ مُر
وَرَمَتْني في دَوحَةِ أَطيَاف
أَتَشَظَّى عُصفُوراً مَذبُوحاً
بَينَ هَدِيرِ القَسطلِ أَو زَفَرَاتِ
الأَسيَاف
(3)
أَنَا بِشْرُ الحَافِي
سَأَظَلُّ حَفِياً بِشُجُونِي
وَقِيَامَاتِي بُؤسٌ وَضَرِيع
لا أَدرِي أَمسِي مِن يَومِي
أَسمَائِي آهٍ ... أَسمَائِي
وَسَمَائي أَفلاكاً تَتَشَظَّى
كَالبَيدَرِ في قَبضَةِ عَرَّاف
(4)
أَنَا بِشْرُ الحَافِي
أَوصَافي لَم تُعرفْ أَوصَافي
مَنذُوراً أَستَغفِرُ رَبِّي
وَمُلاءَاتِي لَيلٌ دَاجٍ
جِنِّيٌّ فِي ثَوبِ مَلاكٍ
وَمَلاكٌ ضَيَّعَه شَغَبُ
النُّسَّاكِ
الآنَ صُراخِي في كُلِّ فَم
وَصَبَاحَاتي جُبَّة عِشقٍ
وَنُهَيرَات مِن عَسَلٍ
لَم يَأْلَفْهَا أبد الأُلَّاف
(5)
أَنَا بِشْرُ الحَافِي
لَم تَتبَعني في الحَقلِ خِرَافِي
أَسقِيهَا بِيَدِيَّ دُمُوعِي
وَأَروِيهَا مِن رُوحِي وَشِغَافِي
وَتُخَلِّيني في نَجوَايَ أُغَنِّي
زِريَاباً يَحبُو في جَوقَة عزاف
(6)
أَنَا بِشْرُ الحَافِي
أَنطَقَني اللهُ وَأَخرَسَني
وَبِبَابِ المسجِدِ أَتلُو نَفَثَاتِي
ضَيفَاً يَتَهَجَّى أَوَّلَ حَرفٍ
نِيرُودا .. السَّيَّاب .. ابن
الفَارِض .. وَكُثَيّر وَالمجنُون
وَأَحمد
هَا أَنَذَا أَتَمَلَّى مَا حَكَتِ الأَدهُرُ
مِن سِدرَةِ أَسلَاِفِي
(7)
أَنَا بِشْرُ الحَافِي
يَاه .. يَاه.. يَاه.. كَم
عَايَشتُ مُلوكاً وَرَعَايَا
وَقَنِعتُ بِجلبَابٍ يَستُرُني
وَبِزادٍ يُقرِي أَضيَافي
أَنَا بِشْرٌ وَرَمَادي أَيُّ بِشَارَة
مَنثُورٌ في بَوَّابَةِ عَالمنَا الكَابِي
أَبكِي ... وَأُصَلِّي
وَأُصَلِّي في كَبدٍ
وَنَشِيجي آهِ ... نَشِيجي
إِنجِيلٌ وَمَصَاحِفُ في مَعمَعَة
الأَحلَافِ
(8)
أَنَا بِشْرُ الحَافِي
في السُّوق أَقُومُ وَأَقعُد
وَدِثَارِي أَوزَارٌ بَالِيَةٌ
ظَمآنا أَكرَعُ مِن صَدفِ البُشرَى
وَشَقياً يَغرِفُ آمَالاً وَخَطَايَا
لا مَالٌ في كَفِّي يَنصُرُني
لا غُررٌ في رَأسِي وَوَصَايَا
تَلقفُنِي مِن بِئرِ ظُنُوني
وَتُدحرجُني كَمَسِيحٍ في حَوْمَاتِ
قِطَاف
(9)
أَنَا بِشْرُ الحَافِي
أَوجَاعي .. تَفعِيلاتٌ.. نَثرٌ
وَقَوَافي
وَقَصَائِدُ لا تَفْنَى
مَا دَامَ نَجِيعُ الأَحرُفِ
مَحبَرَتي
وَنَزِيفي طُوفَانا في بَهْوِ
السَّيَّاف
(10)
أَنَا بِشْرُ الحَافِي
يَتَبَرَّجُ في المِحْنَةِ بُهلُولي
وَيُخَاصِمُ أَشْلَائِي قَبلَ أُفُولِي
وَيُوزِّعُنِي شِلْواً .. شِلْواً
في خَطَرَاتِ المُدُنِ المسْبِيَّة
وَمَلاذَاتِ الشُّعَرَاءِ البَكَّائِين
هَا أَنَذَا بِشْرٌ جَاذَبتُ السُّيوطِيَّ
النَّحوي
وَقَاسَمتُ صِرارِي يُونس وَالأَعشَى
وَجَلالَ الدِّينِ الرُّومي
وَيُوشعَ وَالخَضر
وَأُعَاقِرُ كُلَّ فَقِيهٍ
يَستَعذِبُ أَنْخَابِي وَسُلافي
(11)
أَنَا بِشْرُ الحَافِي
أَيَّامِي وَعْدٌ وَوَعِيدٌ وَكُنُوزِي سُبحَات حُبلَى
وَسَنَابلُ مِن ذَهَب
تَتَأَوَّد في خُرجِ الحَلّاج
دُهُوراً
لتُضِيءَ أَزِقَّتَنَا بِحَصِيرِ مَعَرِّينَا
وَتُكَفْكِفَ عَن كَوكَبِنَا دَاجِيَة
الأَصدَاف،
(12)
أَنَا بِشْرُ الحَافِي
لا أمْلِكُ أَجنِحَةً
لا أَملِكُ طَاقِيَة إِخْفَاء
وَأَطِيرُ .. أَطِيرُ كَأَشبَاحٍ نُورَانِيّة
أَطوِي المشْرِقَ وَالمغْرِبَ في سَاعَة
نَحسٍ
وَأَسْبَحُ في مَكَّةَ وَالقُدسَ
وَدِرعِي
كَلِمَاتٌ وَبُخُورُ صِرَاط
وَشَقَائِقُ حِرْزٍ مِن بَدَن
الصَّفْصَاف
(13)
أَنَا بِشْرُ الحَافِي
سَرْجِي تَحْتِي
وَخُيُولِي سُبحَانَ اللهَ بِسَاطِي
أَعدُو في جُدُدِ الدُّنيَا
وَأَدُورُ
وَنُجَيمَات سُلَيمَان غِطَائي
تَتَمَلَّاني طَبَقَاً مِن نُور
أَعبُرُ سُوراً يَتْبَعُه سُورْ
وَبِطَرفَةِ عَينٍ أَشتَقُّ حِدَائِي
وَطَوَافي
(14)
أَنَا بِشْرُ الحَافِي
وَأَدُونِيسُ الشَّرقِيّ أَبِي
يَتَأَبَّطُنِي قِيثَارَاتٍ وَفَرَائِد
وَكِتَاباً مَسطُوراً مِن أَزمَااان
في الحَيِّ اللاتِينِيِّ يُهَدهِدُني
وَعَلى نَخلاتِ البَصرَةِ أَو كُوفَان
وَعَنَاقِيدي مِن فِضّةِ بَابَل
مَبذُولاتٌ في سِكَكِ
العَشَّارِينَ وَمَقصُورَاتِ
السُّلطَان
(15)
قُلْ لِي مِن أَيِّ الأَضدَادِ
أَنتَ عَدُوِّي وَصَدِيقِي
وَبِبَابِكَ تَأسِرُني
طِفلاً يَتَهَجَّى مِعْزفَهُ
لَتَشيِّعَنِي كَالقِندِيلِ الميِّت
في لُجَجِ الآبَاد
(16)
أَنَا بِشْرُ الحَافِي
والمَلِكُ الظِّلِّيل خَدِيني
نَتَذَاكَرُ أَياَّماً وَلَيَالِي
وَشُطُوط اللَّذَّةِ سِربَالي وَمَآلِي
وَبِغُصٍ أَخضر نَفتَضُّ الصَّحْرَاء
وَنُنَاجِي فَاطِمَ أَنْ قُومِي
مِن أَطلالِ الحَومَلِ وَارْتَجِزِي
لِلقَمَرِ الأَسوَدِ يَعْسُوبَ
السَّقَّاء
وَكُلِي مِن قَصْعَةِ مَريَم
مَا يَتَرقْرَقُ مِن أَسمَاطِ السُّندُسِ أَو حَبَب
التَّذْرَاف
(17)
أَنَا بِشْرُ الحَافِي
لَم أَزدَدْ مِن قَرنَين سِوَى قَرَف
قَرَفٍ أَبلَى مِن قَرَفٍ
وَتُرَاثِي عَرشٌ تَطحَنُه سُرْفَاتُ الحِيتَان
لَم أَزدَدْ يَا ابْنَ بُخَارَى وَالمسْعُودِيِّ
إِلَّا تَغرِيباً وَعَذَاباً
وَسِلَالِي ... آه سِلَالي
لَا نَعْشٌ لا زُعْرُورٌ لا مُوسِيقَا
أَو كِسْرةُ خَشْخَاشٍ
في كُوزٍ يَا خِلِّي
أَو حَتَّى حَبَّة رُمَّان
(18)
أَنَا بِشْرُ الحَافِي
النَّاصِرُ وَالفَاتِحُ وَالمَاتِحُ
وَالخَافِضُ وَاللافِظُ وَالحَافِظُ
وَالسَّاجِدُ وَالتَّالِدُ وَالوَاقِدُ
وَالبَاذِلُ وَالمَاحِلُ وَالعَاطِلُ
وَالمَسْحُورُ وَالمَنْذُورُ المُتَنَكِّرُ
طَاسِي مَلْآن بِوَسْوَاسِي
ظِلِّي مَشهُودٌ في كُلِّ مَكَانٍ
وَزَمَاني أَمْس وَغَدٌ بَينَهُمَا
حُجُب وعَيان
وَبِلادِي حَارَات وَتَكَايَا
هِنْدِيٌّ .. افِرنْجِيٌّ .. عَدَنٌ أَم بغْدَان ؟
وَرُؤُوسٌ وَمَقَاصِل ... أَسْرَار
وَفُلُوسٌ
وَمَبَاهِجُ شَيَّدَهَا القُربَان
(19)
أَنَا بِشْرُ الحَافِي
لا أُشْبِهُ نِرسِيسَ وَلا مِيدُوزا
لا أُشْبهُ نَابليونَ وَلا الحَجَّاج
وَمَرَايَايَ نَواحٌ في لَيلِ نُشُور
وَعَصَايَ عَصَا الأَجدَلِ إِذْ
تَتَلَوَّى فِي سُجُفِ الدَّيجُور
سِجْنِي ...مَأْوَايَ وَبَيتِي قَبْرٌ
حَتفِي أَنْ أَلِجَ الفَتْكَ وَحِيداً
وَجَحِيمِي هَذَا البَحرُ المَسْجُور
(20)
أَنَا بِشْرُ الحَافِي
صُوفِيُّ...لِيبراليٌّ وَشُيوعِي ٌّ
أَرقُلُ في مَومَاتِي وَأَرُوحُ
وَغُبَارُ العِثْيَر يَلطِمُ وَجْهِي كُلَّ ضُحى
وَطُفُوفِي أَضْرِحَةٌ وَفُتُوح
وَكَأَنِّي ذِئبٌ في حَانَةِ قُبحٍ
وَنَبِيٌّ مُضَنّى وَسِرَاجٌ يَا آسَفِي
يَبْكِي وَيَنُوح
آمَالِي تَذْكِرَةٌ بِقَطَارٍ أَعْمى
وَنَوَاقِيسِي نذْرٌ أَسْوَدُ
وَمَضَامِيرِي أَحقَابٌ وَصُرُوح