recent
أخبار ساخنة

ورقة الحلة إنموذجاً – نصوص – سمير الخليل شعرية المكان في قصائد جبار الكواز ورقة الحلة إنموذجاً – نصوص – سمير الخليل

ورقة الحلة إنموذجاً – نصوص – سمير الخليل
ديسمبر 11, 2015189
شعرية المكان في قصائد جبار الكواز

ورقة الحلة إنموذجاً – نصوص – سمير الخليل


يعد المكان محوراً أساسياً من المحاور التي تدور حولها نظرية الأدب بيد أن المكان في الآونة الأخيرة لم يعد كما كان سابقا مجرد خلفية تقع فيها الأحداث الدرامية كما لا يعد معادلاً كنائياً للشخصية فقط، فقد أصبح ينظر إليه على أنه عنصر شكلي وتشكيلي معا من عناصر بناء العمل الفني وأصبح تفاعل العناصر المكانية وتضادها يشكلان بعداً جمالياً من أبعاد النص الأدبي (4)ويمكن للمكان ان يخضع لتعددية الأصوات من خلال تمثله داخل خطابات الشخصيات؛ ونتيجة لذلك لايأتي المكان كليا و إّنما يأتي متناثرا داخل اجزاء النص.

ان أهمية المكان لايمكن أن تكون في مكان من دون آخر،لأن فاعلية الأمكنة تتشابك فيما بينها، فيكون التوالد بينها و تتلاشى محدوديته، وتظهر لنا أمكنة جديدة متخيلة تشبه الأمكنة الحقيقية،من خلال دخولها إلى وعي القارئ لتقنعه بحقيقة وجودها.

فالعلاقة بين المكان تتباينُ من قارئ إلى آخر ومن ثَمّ فإن هذه العلاقة تفضي إلى تفاعلٍ بين المكان والذاكرة بحيث يغذي المخيلة التاريخية ويكوّن وظيفةً ما في الذاكرة تخلق من خلال ذلك أفكاراً حول الهوية والخصوصية والبعد(2)?

فالمكان يعد من جهة الاهمية بمستوى المؤثر الفكري الذي يتمكن من عملية التخييل والتصوّر فيما يخص والشكل والدلالة وعليه فإن مستوى العلاقة بين الدال والمدلول تتجسد في هذا الحيز من التحديد. ولو تتبعنا( ورقة الحلة( نجد ان المكان فيها لا يخرج عن كونه اهم عناصر بناء المدونة للشاعر جبار الكواز بالكامل كما في نصه إعدادية الحلة للبنين:

الداخل فيها خائف

الخارج منها خائف

لكنها قلعة قلق

لاتمنح صكوك الغفران

الا للمجانين

الحلة

انت جرح وبقايا من سماء الذاكرة

ثقبتها الريح قسرا

فتلاشى الافق اشتات نجوم

كيف تدنو الارض منها

والايادي صارخات بالغيوم(1)

يبدو من خلال قراءةالنصين ان الصورة فيه بنيت على اساس الجانب الشكلي المكان يعبرعن عدد من العلاقات النسقيةالمكثفةاشتدت معها حدة الغرابة الشعرية التي تمنح طاقاتها من الانحرافات في المستوى اللغوي الذي يفضي بها الى تغيير في المستوى الدلالي، واذا حاولنا ان نتتبع البؤرة الدلالية للنص سنجد ان المكان (اعدادية الحلة ) هو الذي تشظت عنه محاور متعددة تضافرت جميعها في انتاج شعرية النص فهذه النقطة المركزية المكانية هي ما تاخذ على عاتقها تنظيم نسقية النص عبر احدى التقانات التي تقوم عليها البنية السردية فـ( قلعة قلق ،تدنو الارض ) هي ايضا محددات مكانية لا تنفصل عن المكان الرئيس ، الا ان الشاعر بهذه التعالقات خلق نوعا من الغموض والايهام مما يدفع بالمتلقي الى البحث عن روابط حقيقية تجمع كل هذه المتناقضات التي تفيض بالشعرية اذ ان انتقالا حادا من كون الى اخر يفضي الى خلق مسافة توتر وهذا الخلق الجديد يؤدي الى تحقق الشعرية .(1)

     وقد نتج عن هذا التوظيف المتآزر بين الملفوظات بصيغها المختلفةالمشكلة للمكان على بيان رمزية العناصر المشكلة له ، فنجح بذلك على المستوى الرمزي من التعبير عن قلقه من مكان يفترض ان يكون مصدر راحة واطمئنان، فالداخل لهذه المدرسة قلق والخارج منها قلق ايضا .وفي نص اخر يمكن ملاحظة ما للمكان من اهمية في دلالة النص الكلية.:

حروفه قصيدة تعرفها شوارع المدينة

كأنه قد اودع الجدران

أنفاسه

ولملم الأحزان

الحزن الأسود:سارية الراية في الميدان

الحزن الأحمر: جروح في سيف

والحزن الأبيض: يمنح خمرا بالمجان

كيف يصير إنسان بهجته

خمرته

طلعته

فحما للنيران

وكأسا يملؤها الاوهان(1)

ولكون المكان في هذا النص يعد من امكنة الفضاءات المفتوحة ، فقد باشرت البؤرة الدلالية فيه والتي هي ( الطريق)التي تخلق لها انساقا دلالية من خلال الالتفات الى محددات جديدة بدأت تتكشف في المنظور العام ، ويلاحظ في هذا التشكيل البنائي الجديد للمكان بروز محدد مكاني ثانوي يفضي حضوره الى اعادة وظيفة او اعادة تشكيل المنظور المتشظي من خلال احدى زواياه مما يسهم بذلك في استمرار الخيط الدلالي للمكان ورفد دلالته المرمزة مما يجعلها ممكنة للتأويل.

الجنائن المعلقة

غاباتها قمامة

وثمارها صبية يتسولون

افقها موتى يتسامرون

ونارنجها رماد وشظايا

كيف يغني الموتى في مشرحة العيارين؟

الموت هوى

والاشجار رحال

سرقه البدو

كبدر في الصحراء

    يمكن لمتلقي هذا النص ان يكتشف الانساق المشكلة لنسيجه عبر مفاهيم وايدولوجيات مختلفة ومن خلال تازر هذه البنى المتصارعة تتولد ظرفية “مكانية” يمكن ملاحظتها ضمن سردٍ متتابعٍ ملازم للقوى النفسية ، مما ينتج عنهادوافع كثيرة تثير فضول المتلقي للتساؤل عن المستوى الدلالي ، فدلالة المكان المتجسد في اطار نسق مكاني له تاثير كبير في ايضاح التعدد الدلالي والانفتاح التاويلي مما يفضي بالنص الى التاثير بالمتلقي وجعله يتحسس بالمأساة فضلا عن قدرته على جعل المتلقي يعيد النظر في افق توقعاته وملء الفجوة في دلالة عبر معرفة اهمية هذا العنصر.

وفي قصيدة المهدية يقول:

ازقة تفضي الى ائمة بيتي الذي

تفضي الى خرائب هناك

تفضي الى جياع تحرسه

تفضي الى عراةالبئر

تفضي الى جنون وتشربه

تفضي الى نشور النخلة

اشتغل الكواز في النص المتقدم على نسقية التعالق المكاني الذي يفضي كل عنصر فيه عبر تعالقاته الى دوره الذي حدده له الشاعر فكل هذه المحددات المكانية ( الازقة ) تفضي الى شيء مختلف عن الاخر فتارة تفضي الى ائمة وما تنفتح عليه من تاويلات قد تكون الحياة التي ينشدها وتتحقق فيها العدالة ، وازقة اخرى تفضي الى خرائب وجنون واخرى النشور ، فكل جزء من هذه الاجزاء يؤدي ما عليه عبر استخدامه اللغوي المحكم ومن خلال الشمولية التي تعني في ادق معانيها ((التماسك الداخلي للوحدة بحيث تصبح كاملة في ذاتها ، وليست تشكيلا لعناصر متفرقة ، وانما هي خلية تنبض بقوانينها الخاصة التي تشكل طبيعتها وطبيعة مكوناتها الجوهرية وهذه المكونات تجتمع لتعطي في مجموعها خصائص اكثر واشمل من مجموع ما هو في كل واحدة منها على حدة ))(1) ومن الواضح ان الشاعر في تقديمه هذه المحددات التزم الرؤية المحايدة في الظاهر منها الا انها حيادية سرعان ما تتبدد لتبدو اكثر عمقا من خلال نسقها المضمر الذي كشفت عنه بشكل او باخر الترسيمة المقابلة التي تعمد الشاعر جعلها الى جانب النص بكل ما تحمله من بعد مفارقي فني فجعل البيت الذي تمر به هذ الازقة تحرسه بئر وتشربه نخله ، فهذا النص الموازي للنص الاخر دفع النص الى ابعاد درامية مثلت رؤية الشاعر للاحداث التي يرويها عبر هذه الثنائية
google-playkhamsatmostaqltradent