recent
أخبار ساخنة

مشاركة الشاعر المصري محمد ربيع حماد

 نصوص شاركت بها  في احتفال المجلس الأعلى للثقافة باليوم العالمي للغة العربية 🍁♥️


وعي الدراويش


حتى لا نسيء الظن

كانت الأرض مذ هبطناها حقل تجارب 

وما حنَّت لتلك الأيدي التي داعبت مفاتنها 

إلا بإشراف قانون الإرادةِ 

الأمر الذي غاب عن وعي الدراويش 

الذين بسطوا أيديهم -نطاعة- على أعتاب السماء 

فلا مزيد من تأويلات فاسدة

تصدرها ملايين الأشباح في قارة الوسط 

ولا عزاء لأنهار اللبن المسكوب 

على المحاريث الخشبية 

وأنقاض حضارةٍ مسحوقةٍ 

لن تعيد شرفًا منهوكًا بيد روبوت 

أو شركةٍ عابرةٍ للقارات 

ولأنني أشاركُ -مرغمًا- في هذا الكرنڤال 

أبلغُ أسبابي على حذرٍ إلى أنْ يُزاح الستار 

تحرِّضني خفة عصفورٍ

كما يحرِّضني التُّوت على شفةٍ متأهبةٍ للقطفِ

ثم يباغتني الوعي بسيناريو الزلازل والأوبئة 

وما بين النوم وبين نعيق الغربان 

تبدو لي الأرض نكتة عملاقة

أُسَرِّرُ نفسي: لا يعدو الأمر عن كونه مزحة

بينما أشاهد عرض انهيارها المَهيبِ

حتى إذا جاء مخاضها اهتزَّت

لتنبت من أقطارها ملايين الجثث!


___________


أربعون شبهًا لجثةٍ


في أيامٍ مقصوفة الرقبة

أذكركِ فيعضُّ المجاز على شفته السفلىٰ

كحدٍّ أقصىٰ للتعبير عن الرغبة 

فيما تتجوَّل برأسي عساكر الضبطية القضائية 

وبضاعة الإرهاب على بابِ الله

يتاجر فيها قُطَّاع الطرق

ترينَ أحدهم مثقلًا بالنياشين

بينما لديه سجلٌّ حافلٌ بالجرائم

فلا تحسبي الصمت إيذانًا بالنضوب

لكنها أيامٌ باهتةٌ 

لا يثبت على وجهها كريم الأساس

لولا الدفء الكامن في أصابع الفلّاحاتِ هذه

وحفلة السِّحر الدائمة على ذؤابتيكِ

لصرتُ قاطعًا شرسًا كقصيدةٍ بالنثرِ

ولأنَّ الشدائد أكسبتني المرونة

حين تعاظم حبك في قلبي تعددتُ 

لأنجو من التيه برفقة أشباهي الأربعين  

حتىٰ إذا مات واحدٌ لا ينطفئ اتقادكِ داخلي

كان هذا تحت عين الزمان

الذي حملني على ظهره في حقيبة مثقوبة 

كلما سار؛ سقطت جثةٌ منِّي.


____________


ثلاثونَ بابًا 


أَيْنَمَا وَلَّيْتَ رَغْبَتَكَ؛ تَسْمَع أَزِيزَ بَابٍ يُفْتَحُ

كعَابِرٍ مُؤَيَّدٍ بِالْفَتْحِ

تَتَصَدَّعُ بِاسْمِهِ أَبْوَابُ الْمَدَائِنِ

مُخبَّأٌ حَظُّكَ تَحتَ إِرَادَتِكَ

وَالْأَبْوَابُ سَمَاوَاتٌ شَفَّافَةٌ مَهْمَا بَدَتْ سَمَاكَتُهَا

يَكْفِي أَنْ تُمَرِّرَ مِفْتَاحًا بِقَصْدِ الْمُغَامَرَةِ

ثَلَاثُونَ بَابًا عَبَرْتُ،

كُلُّهَا مواربة، على الحياد

ثَلَاثُونَ بَابًا أنا، 

كلها تتوقُ للحُرِّيَّةِ 

لَمْ أَزَلْ أُصْغِي إِلَى النَّدَّاهَةِ غَيْرَ آبِهٍ بِضَمِيرِهَا الْغَائِبِ

وَلَا بِشِعَابٍ خَطِرَةِ الْمَسِيرِ.

ثَلَاثُونَ بَابًا،

وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَدُقُّونَ جُمْجُمَتِي

بَيْنَ مِطْرَقَةِ الْحَدَاثَةِ وَسِنْدَانِ الْهُوِيَّةِ

وفي وقت لَنْ يَعُودَ الزَّمَانُ إِلَى الْوَرَاءِ

وَزَوَاجٌ حرامٌ وَقَعَ بينَ الْحَضارةِ والتَّطَرُّفِ؛

أُحاوِلُ أنْ أَقْطُفَ بَعضًا مِن عسلِ الحياةِ 

دُونَ أنْ تَجْرَحَ أصابِعي أَشْوَاكُ الْكَراهِيَةِ.

ثلاثونَ بَابًا،

وَالعالَمُ مَلْفُوفٌ بِجَبِيرَةٍ

تَشِفُّ عَنْ أنيابٍ مَغرُوسَةٍ فِي الْورِيدِ 

أَتَقَلَّبُ بينَ أَدْوَارِي عَلَى مَسْرَحٍ عَبَثِيٍّ

يُلْقِمُنِي النَّهارُ ثَدْيَ الزَّيْفِ

ثُمَّ يَفْطِمُنِي لَيْلُ الْحَقِيقَةِ الأَبْيَضُ.

ثلاثونَ بَابًا،

عَلَى خَطِّ الْمُوَاجَهَةِ  

رُوحِي عَلَى كَفِّي مُذْ قَطَعُوا حَبْلِي السُّرِّي

 ‏وَالْوَحْشُ رَابِضٌ فِي ظِلِّي 

 لا أَخْشَى انْقِضَاضَهُ بَغْتَةً

 ‏رُبَّمَا يَكُونُ شُجَاعًا فَيَأْتِينِي في وَضَحِ النَّهَارِ

 ‏أَوْ بَيْنَمَا أُلْقِي قَصِيدَةً

‏أَوْ حِينَ أُمَارِسُ الْحُبَّ أَوْ أَيَّ شَيءٍ آخَرَ..

‏إِنَّني -بكلِّ صراحةٍ- أخافُ أنْ أموتَ وَحِيدًا.

 ‏ثلاثونَ بابًا،

يقولُ لِي النَّهْرُ:

اُحْفُرْ بِئْرًا، لغدكَ الذي يبشر بالظمأ.

تقولُ لِي الْمَسَلَّاتُ: 

اِبْحَثْ عَنْ إِلهِكَ تَحْتَ سَمَاءٍ أُخْرَى 

يقولُ لِي الوادِي:

سأعودُ إلى الصحراءِ سيرَتِي الأُولَى.

يقولُ لِي كبيرُ الْكَهَنَةِ:

آمِنْ تَسْلَمْ.

ثلاثونَ بابًا

على قيد اغترابٍ

أسكن في مدينة رمادية..

يمر الناس أفواجًا على قلبي 

ولا أثرٌ لرائحة الطيبين!

وحيدٌ أبدًا 

كما لو أنني مجنون المدينة..

ساهرٌ أبدًا 

كما لو أن الليل امرأة فوّاحة الرغبة

عاشق أبدًا 

كما لو أن العمر كله هذه المرأة 

سكران أبدًا 

كما لو أن مذاقها الخمرُ!


____________


 خدعة الرقص 


هلْ يُدركُ قلبُ الواحدِ مِنَّا كُنْهَ الْأحزَانِ؟

ماذا لو تمَّت خدعتَهُ

أنَّ الأحزانَ هيَ الرَٓقصُ..

ويقينًا باتَ القلبُ المسكينُ سعِيدًا..

بلْ ظَلَّ يراقصُ أنثاهُ علىٰ نَغمِ الآهِ

ولا يَدري من أينَ سَيأتيهِ القَنصُ؟!

الأحزانُ ثمارٌ ناضِجَةٌ.

تتدلى من أغصانِ حياتنا..

نجتنيها منذُ الصَّرخةِ الأولى

ولانتوقفُ عن تعاطيها حتىٰ المَوتِ.

ليسَ صَحيحًا أنَّ الأطفال يتوقفون عن الصُّرَاخِ..

بمجرَّدِ نُموِّهم الطبيعيّ.

إنَّ الحزنَ ينضجُ معهم 

ويمرُّ بمرحلةِ بلوغٍ أيضًا 

لكنهم يجهَرونَ بفرضِ هويَّتهِم، وتَمايُزِ أعضائِهمْ.

أمَّا الحزنُ فعلامةُ بلوغهِ أن يتحوَّلَ الصُّراخُ إلى بُكاء

والبكاءُ إلىٰ صمتٍ وهكذا..

حتى حزنٍ آخَرَ..

أعرفُ امرأةً نضِجَت أحزانها.

هي الآن تتعاطىٰ الصَّمت

ورجلًا فارغا من البكاء..

وقع بجوعه عليها؛ فأشبعته

غلب حزنها على فراغه

حتَّى امتزجا.

صار يأكلُ من حُزنها، وتأكلُ من حُزنهِ.

لم يشبعا ولن..!

الأمرُ ليس مُعقَّدًا إلىٰ هذهِ الدرجةِ.

الحقيقةُ أنهمَا اتفقا على خِداعِ قلبيهِمَا..

سَمَّيا الأحزان بغيرِ اسمها

واستلذَّا بالتَّمَاهِي في الرَّقصِ

لكن شيئا ما خالف ظنهما..

القلوبُ التي هيَ مساكنُ الأحزانِ..

تستنكرُ صامتةً

فتتوارىٰ..

وَتودُّ أن لو تَختفي..

_كرِمشٍ عَلىٰ عينِ أعمَىٰ؛

تلكَ القلوبُ العائدةُ منَ الحبِّ.


__________


وشوشات مالحة 


هل آنسكَ البحر بحديثه؟

هل آواك وأشبعك؟

أو من قبل هذا رد إليك روحك؟

إنَّ هي إلا وشوشات مالحة

يرشها على جرحك الممتد بطول ساحل

دع عنك هذه الأوراق الدافئة

وما تدسه فيها من أوركيدا وتوليب

فما دفترك هذا بكل ما فيه من احتراق

إلا رماد حبيبة

يلقيه هندوسي في نهر الجانج

يذيبه النهرُ 

ثم لا يُرجىٰ انبعاثه.


google-playkhamsatmostaqltradent