recent
أخبار ساخنة

مفهوم الآلتزام السارتيري والمثل العليا /سفيان حكوم

غير معرف
الصفحة الرئيسية

يدافع ( سارتر ) عن الآلتزام ويتساءل : 
" بم تمكن معارضته ؟ وعلى الأخص بم عارضوه " ، وما يلبث أن يهاجم خصومه متهما إياهم بأنهم :
" غير متحمسين كبير الحماسة للعمل ، وأن مقالاتهم لا تحتوي أي شي سوى تنهدة آستنكار طويلة تجر نفسها على عمودين أو ثلاثة من أعمدة الصحف ، كنت اود لو اعرف باسم ماذا ، او باسم اي تصور عن الادب يدينونني ؟ ، لكنهم لم يقولوا ذلك ، بل انهم انفسهم لايعرفونه ، لقد كان اكثر شي منطقي فعلوه هو دعم دعواهم بنظرية الفن للفن القديمة ، لكن ما من احد منهم يستطيع ان يقبل بها لانها تحرجه ايضا ، انهم يعلمون ان الفن المحض والفن الفارغ شي واحد ، وان المحضية الجمالية لم تكن الا مناورة دفاعية ذكية لبورجوازيي القرن الماضي ، اولئك الذين كانوا يفضلون ان يفضحوا كعاميين لايفقهون في الادب شيئا على ان يفضحوا كمستغلين ، اذن لابد للكاتب ، باعترافاتهم ، ان يتكلم عن شي ما " .
فاذا كان الالتزام الماركسي كنموذج ، يحاول ان يخضع الابداع الادبي للمقولات المادية المسبقة ، والاقتصادية منها على وجه الخصوص ، ويضعه في دائرة الصراع الطبقي المرسوم ، فإن الالتزام الوجودي يقوم على نفي تام لكل القيم والمقولات والعقائد المسبقة ، بعدها يتوجب على الاديب الوجودي ان يكون له رأي ، او موقف ، او حكم ، او تحيز ، لكل تجربة واقعية او ممارسة مشهودة .
وحتى ها هنا ، فإن الاديب يمازس آلتزامه على " هواه " ، ووفق مايشتهي ، فهو يختار او يحكم من خلال قناعاته الذاتية الصرفة ، وليس ثمة وراءها أية اضاءة او قناعة ذات طابع اكثر شمولية وامتدادا ، والوجوديون بهذا أشبه بأولئك الذين يصفهم الفرقان بأنهم : * ان يتبعون الا الظن وماتهوى الأنفس * ، ولن يستطيع احد ان يرغم الوجودي على قبول ما لا يرتئيه ، او يظنه صوابا ، او تهواه نفسه ، مادامت عقيدته - إذا جازت التسمية - تخوله في ذلك وتمنحه الحق المطلق .
يقول سارتر : " قد تسألون ملتزم بماذا ؟ اذا قلنا : بالدفاع عن الحرية كان جوابنا سريعا ، هل القضية ان نكون حراسا للقيم المثالية ؟ ام علينا ان نحمي الحرية العينية اليومية بخوضنا المعارك السياسية والاجتماعية " . ويقول : " اننا اذا ما اعتبرنا المواضيع مشكلات مفتوحة دوما ، نداءات ، انتظارات ، فهمنا ان الفن لا يخسر شيئا بالالتزام ، وبالعكس ، فكما ان الفيزياء تطرح على الرياضيين مشكلات جديدة ترغمهم على ابتكار رمز جديد ، كذلك فإن المقتضيات المتجددة دوما لما هو اجتماعي ، او للميتافيزيقا ، تلزم الفنان بأن يجد لغة جديدة وتكنيكا جديدا " .
والواقع ، ان عملية الهدم الواسعة التي تقوم عليها الوجودية ، او التي تدعي ان الانسانية قد قامت او اخذت تقوم بها ، انما ترمي الى تحرير الانسان وجعله سيدا لنفسه ومحققا لوجوده ، فهي تقصر حقيقته على وجوده الفعلي ، وعلى مجموع ما يأتيه من افعال وما يصدره من احكام بحريته المطلقة التي لا تتحكم فيها قيم ولا مثل ولا عادات او تقاليد ، وانما يتصرف الانسان بحريته المطلقة متخلصا من كل المبادئ والاحكام السابقة ، ولكن الوجودية مع ذلك لم تترك للانسان الحرية مطلقة الزمام بدون هدف او غاية ، اي لا تجعل من تلك الحرية غاية في ذاتها فتنقلب الى مايشبه الفوضى ، وانما ترتب على حرية الفرد نتيجة خطيرة وهي المسؤولة ، والآلتزام بالقول والفعل .
انهما آلتزامان متناقضان بالكلية ، احدهما ، وهو الماركسي يتعلق بمفهوم الطبقة في قلب الجماعة ، والأخر ، وهو الوجودي ، يتعلق بالذات المنفردة ، ومن خلال هذا التطرف في جانبيه يضيع الانسان وتضيع الجماعة ، ويفقد الأدب قدرته الحيوية على ان يقوم بدوره الانساني الشامل ، ويغدو الالتزام متعارضا  -بشكل او بآخر - مع مطامح الانسان ومثله العليا .

سفيان حكوم اعلامي وكاتب من المغرب
google-playkhamsatmostaqltradent